للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخامِسَةُ: الكتبُ الْمُخَرَّجَةُ (١) على كتابِ البخاريِّ أو كتابِ مسلمٍ -رضيَ اللهُ عنهما- لَمْ يلتزمْ مصنِّفُوها فيها موافقَتَهما في ألفاظِ الأحاديثِ بعينِها مِنْ غيرِ زيادةٍ ونقصانٍ؛ لكونِهِم رَوَوْا تلكَ الأحاديثَ مِنْ غيرِ جهةِ البخاريِّ ومسلمٍ طَلَباً لِعُلُوِّ الإسنادِ، فحصلَ فيها بعضُ التفاوُتِ في الألفاظِ. وهكذا ما أخرجَهُ المؤلِّفُونَ في تصانيفِهِم المستَقِلَّة ك‍" السُّنَنِ الكَبِير " للبَيْهقيِّ، و " شرحِ السُّنَّةِ " لأبي محمدٍ البَغَوِيِّ، وغيرِهِما ممَّا (٢) قالوا فيهِ: ((أخرجهُ البخاريُّ أو مسلمٌ))، فلا يُسْتَفَادُ (٣) بذلكَ أكثرَ من أنَّ البخاريَّ أو مسلماً أخرجَ أصلَ ذلكَ الحديثِ، مَعَ احتِمالِ أنْ يكونَ بينهما تفاوُتٌ في اللَّفظِ، وربَّما كان تفاوتاً في بعضِ المعنى، فقدْ وجدْتُ في ذلكَ ما فيهِ بعضُ التَّفاوتِ مِنْ حيثُ المعنى. وإذا كانَ الأمرُ في ذلكَ على هذا فليسَ لكَ أنْ تنقُلَ حديثاً منها وتقولَ: هو على هذا الوجهِ في كتابِ البخاريِّ، أو كتابِ مسلمٍ، إلاَّ أنْ تُقَابِلَ لفظَهُ، أو يكونَ الذي خرَّجهُ قد قالَ: أخرجهُ البخاريُّ بهذا اللَّفظِ (٤). بخلافِ الكُتبِ المختصَرَةِ منَ الصحيحينِ، فإنَّ مصنِّفِيها نقلُوا فيها ألفاظَ الصحيحينِ أو أحدهما (٥)، غيرَ أنَّ " الجمعَ بينَ الصحيحينِ "


(١) ((وحقيقته: أن يأتي المصنِّف إلى كتاب البخاري أو مسلم فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق البخاري أو مسلم، فيجتمع إسناد المصنف مع إسناد البخاري أو مسلم في شيخه أو من فوقه)). أفاده الزركشي في نكته ١/ ٢٢٩.
(٢) في (ج‍): ((ما)).
(٣) في (أ) و (ج‍): ((فلا تستفيد))، وفي (ب): فلا يستفيد))، وما أثبتناه من (ع) و (م) والتقييد.
(٤) قال ابن حجر في نكته ١/ ٣١٠: ((قلت: محصل هذا أن مُخَرِّج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين، فلا يخلو: إما أن يصرّح بالمرادفة أو بالمساواة أو لا يصرّح. إن صرّح فذاك، وإن لَم يصرّح كان على الاحتمال.
فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل الحديث منها ويقول: هو على هذا الوجه فيهما، لكن هل له أن ينقل منه ويطلق كما أطلق؟ هذا محل بحث وتأمل)).
(٥) قال ابن حجر في نكته ١/ ٣١٢: ((محصله أن اللفظ إن كان متفقاً فذاك وإن كان مختلفاً فتارة يحكيه على وجهه، وتارة يقتصر على لفظ أحدهما، ويبقى ما إذا كان كل منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر، فهل للمختصر أن يسوق الحديث مساقاً واحداً وينسبه إليهما ويطلق ذلك، أو عليه أن يبيّن؟
هذا محل تأمّل، ولا يخفى الجواز، وقد فعله غير واحد، والله أعلم)).

<<  <   >  >>