منزلته عنده ثم لم يزل مع الخلفاء يكرمونه واحداً بعد واحد إلى أيام المعتمد ومات سنة خمس وسبعين ومائتين وله أربع وسبعون سنة ورثاه عبد الله بن المعتز وعبيد الله بن عبد الله بن طاهر وجماعة من الشعراء. وهو أهله وولده وأولادهم في البيت الحظير من الدين والأدب والشعر والفضل ولا أعلم بيتاً اتصل فيه إلى هذه الأنواع الشريفة ما اتصل لهم وفيهم. وأبو الحسن هو القائل في نفسه:
علي بن يحيى جامع لمحاسن ... من العلم مشغوف بكسب المحامد
فلو قيل هاتوا فيكم اليوم مثله ... لعز عليهم أن يجيئوا بواحد
وله:
سيعلم دهري إذ تنكر أنني ... صبور على نكرائه غير جازع
وإني أسوس النفس في حال عسرها ... سياسة راض بالمعيشة قانع
كما كنت في حال اليسار أسوسها ... سياسة عف في الغنى متواضع
وأمنعها الورد الذي لا يليق بي ... وإن كنت ظمآناً بعيد الشرائع
وله في الطيف وله فيه لحن من خفيف الثقيل:
بأبي والله من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا
زادني شوقاً برؤيته ... وحشا قلبي بها حرقاً
من لقب هائم كلف ... كلما سكنته قلقا
زادني طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بي الأرقا
علي بن صالح. ذكره ثعلب ولم ينسبه وقال أتاه رجل فشكا إليه حاله فقال علي:
أعذر فإن الأمور ضيقة ... والضيق يحمي الفتى عن الأدب
أرد وجه الفتى بجدته ... لم تبتذله ضراعة الطلب
إني إذا اختارني لحاجته ... مثلك أوصلته إلى الأرب
من أمكنته صنيعة فأبى ... فلا تهنا بوافر الشرب
علي بن عبد الغفار الكاتب الجرجرائي الضرير يكنى أبا الحسن. له قصيدة طويلة يعزي بها إبراهيم بن العباس الصولي عن ابنيه أولها:
أمل المرء خلده تضليل ... كيف والموت للحياة سبيل
كل حي وإن تراخى له العم ... ر به للمنون يوماً كفيل
ومنها يقول:
كم رأينا من ثاكل قد تسلى ... بعد أن ود أنه المثكول