للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قوله: "فقال: وكم من مريد للخير لن يصيبه! " وهذه ذهبت مثلاً، وصارت حكمة.

قوله: "إنَّ رسول الله حدَّثنا أنَّ قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم" أولئك القوم هم الخوارج، الذين وصفهم النبي بقوله: «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم» (١)، ولما أتاهم ابن عباس قال: "فدخلت على قوم لم أر قوماً قط أشد اجتهاداً منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل -أي: ركبها الغليظة-، ووجوههم معلمة من آثار السجود" (٢)، أي: من طول القيام والصيام! فليست العبرة بمجرد إرادة الخير، لكن بموافقة السنة والسبيل.

قوله "وأيم الله! لعل أكثرهم منكم، تم تولى عنهم" كأنَّه تفرَّس فيهم هذه النزعة البدعية.

قوله: "رأينا عامة أولئك الحلق، يطاعنوننا يوم النهروان، مع الخوارج" قالها عمرو بن سلمة، تصديقُا لفراسة ابن مسعود . فلما خرجت الخوارج، كان عامة هؤلاء الجهلة ممن خرجوا مع الخوارج، وقاتلوا علياً ، والمهاجرين، والأنصار.

فهذه القصة تبين لنا، بشكل تطبيقي، معنى البدعة، فلا يزايد أحد على سنة رسول الله ، ويسوِّق ما راق له من المحدثات بدعوى أنَّ هذا فيه خير، وأنَّه ينتج عنه خير، وأنَّنا ما أردنا إلا الخير، فيقال: لو كان هذا المسلك سائغًا، لغدت الشريعة كلأً مباحاً، وصارت في مهب الريح، وضاعت معالم الدين.


(١) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به أو فخر به برقم (٥٠٥٨) ومسلم في كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم برقم (١٠٦٤)
(٢) مصنف عبد الرزاق الصنعاني برقم (١٨٦٧٨) والمعجم الكبير للطبراني برقم (١٠٥٩٨) وجامع بيان العلم وفضله برقم (١٨٣٤).

<<  <   >  >>