مستشهدًا عليه بما رواه البخاري في صحيحه، عن ابن عمر ﵄:«أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يُكبِّرُ على إثرِ كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل» إلى آخر الحديث، وبحديث أبي داود، وفيه «أن ابن عمر كان يدعو هنا بالدعاء الذي كان يدعو به في عرفة» والحديثان لا يدلان على أن رمي الجمار لا يدخل في مسمى الذكر بحال.
ولعمري إن أعلم الخلق بمعاني القرآن الكريم وبأحكام الحج هو من أُنزلت عليه سورة البقرة ﷺ: قد فسر هذه الآية الكريمة بما فعله وأمر به من واجب كرمي الجمرات، وما يتبع ذلك من الأذكار القولية المندوبات، وفسرها بذلك علماء الإسلام متبعين بذلك تفسير سيد الأنام، ﷺ برميه الجمار تلك الأيام، وأمره أمته بذلك. وقد غر هذا الرجل في اقتصاره على الذكر القولي اقتصار كثير من المفسرين عليه في تفسير هذه الآية، فظن عدم دخول رمي الجمار في ذلك، وهم إنما تركوه لوضوحه.
قوله: فهذا المنسك الذي شرع للذكر والدعاء والتكبير قد انقلب إلى لغو وصخب وتزاحم وتلاكم وفساد كبير.
أقول: ليس الأمر كما زعمه، ولا الشأن ما توهمه، بل ذلك المنسك الشرعي هو هو لم ينقلب هذا الانقلاب، وإنما انقلب تصور هذا الرجل، وغاية ما هنالك أنه يوجد من بعض جهلة الأعراب، ونحوهم شيء من ذلك، وبعضه غير مقصود، وما كان منه على وجه لا يؤذي به المزاحم أحدًا من الحجاج لأجل الوصول إلى أداء ما أوجب الله عليه من هذا النسك على وجهه الشرعي