بالسنة كما تقدم، ودل على وجوبه قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] فإن تقوى الله سبحانه ليست مختصة بالمباشرة. كما فهمه هذا الرجل مما يقتضي أن الإنسان إذا عذر في ترك المباشرة يبقى غير مأمور بتقوى الله. بل هو وإن عذر في المباشرة يبقى عليه من تقوى الله أشياء أخر، وذلك بأن يصير إلى البدل فيما له بدل، وبأن يستنيب فيما تدخله النيابة وأن يفدي فيما تجب فيه الفدية. وحينئذ يعرف أنه لا ملازمة بين الرخصة في عدم المباشرة للواجب وبين أن يبقى الإنسان غير مأمور بالتقوى فتقوى الإنسان الصحيح أو المريض القادر على القيام ربه هي أن يصلي الفرض قائمًا. وتقوى من لا يقدر على القيام ربه أن يصلي جالسًا. وتقوى العاجز عن الصلاة جالسًا ربه أن يصلي مضطجعًا.
قوله: والعاقل إذا رأى ما يفعله الناس عندها يعلم على سبيل اليقين أن فعلهم بعيد عن مقاصد الدين، لأن الله ﷾ لم يتعبد عباده بالهلكة وأنه لا بد أن يوجد في الشريعة السمحة ما يخرج الناس عن هذه المآزق الخطرة إلى الرحب والسعة، لأن من قواعد الشرع أنه إذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير وأنه يجوز ارتكاب أدنى الضررين لدفع أعلاهما.
يقال: لا يسلم لهذا الرجل ما زعمه من بعد الزحام عن مقاصد الدين، بل البعيد عن مقاصد الدين هو ما كان من ذلك مقصودًا بذاته لمن يرمون الجمار، وما كان زائدًا عن الزحام من ضرب أو دفع ونحو ذلك. أما ما هو من الزحام من لوازم وضروريات الاجتماع على هذه العبادة والحرص على أدائها ليخرج من العهدة بيقين مما لا يؤذي به أحدًا فإن ذلك ينسب إلى الدين، ولا حرج ولا عار