للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتعليل، وسعى به إلى بَسْط لسانه وقلمه في نقض ذلك والتثريب على القائلين به، وأول شيء نقضه ابن حزم: وسعى في هدمه، القول بالرأي في الدين، فإذا بطل الاجتهاد بالرأي في الدين، كان ما سواه - من القياس والإستحسان ومراعاة المصالح، وسد الذرائع - أشد بطلانا، وأظهر عُوارا، وأجدر أن لا يحتفل به ويعول عليه.

يقول ابن حزم: "ولا يحل لأحد الحكم بالرأي، قال تعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (١)، ويفيض ابن حزم - بعد - في إيراد الحجج - قرآنا وسنة - المؤيدة لمسلكه (٢).

ولا يكتفي ابنُ حزم بذلك، حتى يورد أدلة المجيزين للاجتهاد في الدين والرأي: وينقضها الواحد بعد الآخر (٣).

ولما حرَّم ابنُ حزم القولَ في دين الله تعالى بالرأي، منع القول بتعليل النصوص، وقصر كل نص على موضوعه فلا يحل تَعْدِيَة علته إلى غيره، ولا معنى للبحث عن الأسباب، يقول في ذلك: "لسنا نقول إنَّ الشرائع كلها لأسباب، بل نقول ليس منها شيء لسبب إلا ما نص عليه منها أنه لسبب، وما عدا ذلك فإنما هو شيء أراده الله تعالى


(١) النبذ (ص ٩٣).
(٢) المصدر السابق والإحكام في أصول الأحكام (ج ٦/ ص ٣٥).
(٣) انظر: الإحكام (ج ٦/ ص ٣٥).