للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي يفعل ما شاء، ولا نحرم ولا نحلل، ولا نزيد ولا ننقص، ولا نقول إلا ما قال ربنا عز وجل، ونبينا - صلى الله عليه وسلم -، ولا نتعدى ما قالا، ولا نترك شيئا منه، وهذا هو الدين المحض الذي لا يحل لأحد خلافه، ولا اعتقاد سواه. . . قال تعالى: "لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون" فأخبر تعالى بالفرق بيننا وبينه، وأن أفعاله لا تجري فيها "لِمَ"، وإذا لم يحل لنا أن نسأله عن شيء من أحكامه تعالى وأفعاله: "لِمَ كان هذا"، فقد بطلت الأسباب جملة، وسقطت العلل البتة، إلا ما نص الله تعالى عليه أنه فعل أمر كذا لأجل كذا، وهذا أيضًا مما لا يسأل عنه، فلا يحل لأحد من العباد أن يقول: لِمَ كان هذا السبب؟ ولم يكن لغيره ولا أن يقول: لم جُعل هذا الشيءُ سببا دون أن يكون غيره سببا أيضا لأن من قال هذا السؤال، فقد عصى الله عز وجل، وألحد في الدين" (١).

ويتضح مما سبق أن ابنَ حزم أخذ بالعلة المنصوص عليها، ولم يُعرض عنها، وذلك ما أعاد القول فيه في موضع آخر مِنْ كتبه لما قال: "وبالجملة فليس في الشرائع علة أصلا بوجه من الوجوه، ولا شيء يوجبها إلا الأوامر الواردة من الله عز وجل فقط، إذ ليس في العقل ما يوجب تحريم شيء مما في العالم وتحليل آخر، ولا إيجاب عَمَلٍ وَتَرْك إيجاب آخر، فالأوامر أسباب موجبة لما وردت به، فإذا لم ترد فلا يوجب شيئا أصلا ولا يمنعه، وإذا لم تكن العلة إلا التي لم توجد قط إلا


(١) الإحكام في أصول الأحكام (ج ٨/ ص ١٠٢).