للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دعوني من إحراق رق وكاغد ... وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري

فإن تحرقوا القرطاس لم تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري

يسير معي حيث استقلت ركائبي ... وينزل إن أنزل ويُدفن في قبري (١)

ويصف ابن حيان حال ابن حزم بعدما صار هدفا لأذى الناس، وغرضا لكيدهم فيقول: "طفق الملوك يقصونه عن قريتهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة، وبها توفي. . . وهو في ذلك غير مرتدع، ولا راجع إلى ما أرادوا به، يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم، ويفقههم ويدربهم، ولا يدع المثابرة على العلم، والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف" (٢).

وبعد وفاة ابن حزم بسنوات، مَلَكَ الأندلسَ المرابطون، فَنَفَقَ مذهب مالك، وفشا التقليد حتى نُسي النظر في كتاب الله، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣)؛ وهذا هو الذي كان يخافه ابن حزم على أهل بلده،


(١) الأبيات في: الذخيرة (ق ١/ ج ١/ ص ١٧١) والإحاطة (ج ٤/ ص ١١٤) ووفيات الأعيان (ج ٣/ ص ٣٢٧) ومعجم الأدباء (ج ١٢/ ص ٢٥٢)، ومرآة الجنان (ج ٣/ ص ٨٠) وسير أعلام النبلاء (ج ١٨/ ص ٢٠٥) ولسان الميزان (ج ٤/ ص ٢٠٠) ونفح الطيب (ج ٢/ ص ٢٩١ - ٢٩٢).
(٢) الذخيرة (ق ١/ ج ١/ ص ١٤٢) ومعجم الأدباء (ج ١٢/ ص ٢٤٨ - ٢٤٩).
(٣) انظر: المعجب (ص ١١١). ونَقُولُ تعليقًا على ما ورد في المعجب: بل لقد كان ذلك قبيل وفاة ابن حزم، وبلغ الأمر بأهل الأندلس أن عدلوا عن رأي مالك إلى آرائهم وأقواله، فتركوا تقليد من سلف، إلى من خلف، ولقد وصف ابن العربي المعافري هذه الحال فقال: ". . . حتى آل الحال إلى أن لا ينظر في قول مالك، وكبراء =