للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو محمد: لو تتبعنا ما تناقضوا فيه في هذا الباب لَكثُرَ جدًّا، وفيما ذكرنا كفاية لمن وفقه الله تعالى لِنُصْح نفسه، وأسانيد الأخبار المذكورة قد أوردناها بحمد الله تعالى في كتابنا الكبير المَوْسُوم بِـ "الإيصال" وهي كلها مشهورة عند أهل العلم بالآثار.

وإعلانهُم في جميع كتبهم بأن المرسل كالمسند، أشهر من أن يخفى على مَنْ عَرَفَ شيئًا من مذاهبهم (١)، ففضحنا تمويههم بذلك، وأنهم لا يلتفتون إلى مسند، ولا مرسل، ولا نص قرآن، ولا قول صاحب، ولا قياس، وإنَّما هو تقليد أبي حنيفة فقط.

قال أبو محمد: والحق في هذا الباب هو أن كل خبر لم يأت قط إلا مرسلًا، فإنه لا يحل الأخذ به أصلًا، لأننا لا ندري عمن رواه، ولا


= وَأَخْرَجَهُ الدارقطني في السنن (ج ٤/ ص ٢٢٠) من طريقين في أحدهما: الحسن بن أبي جعفر، ضعفه أحمد والنسائي وابن معين، وقال البخاري: "منكر الحديث"، وفي الثاني: محمد بن يوسف المقري، وهو ضعيف جدا. اتهمه الخطيب والدارقطني بالوضع، وقال الدارقطني: "الصحيح من الحديث أنه مرسل عن ابن المسيب، ومن أسنده فقد وهم".
* وقال أبو حنيفة: حريم بئر العطن أربعون ذراعا، وحريم بئر الناضح ستون ذراعا وحريم العين خمسمائة ذراعا وانظر: بدائع الصنائع (ج ٦/ ص ١٩٥) وانظر مناقشة المؤلف لمذهب الحنفية في هذه المسألة في المحلى (ج ٨/ ص ٢٣٩).
(١) في الاحتجاج بالمرسل خمسة مذاهب:
الأول: قبول مرسل العدل مطلقا. سواء كان من أئمة النقل أم لا، وسواء أكان في القرون الثلاثة الأولى أم بعدها، ونقل ذلك عن مالك وأبي حنيفة وأحمد في أشهر الروايتين عنه، وعليه جماهير المعتزلة كأبي هاشم، وتبعهم الآمدي. ومن هؤلاء من أمعن في الاحتجاج به حتى قدمه على المسند كصاحب التنقيح وغيره تبعا لابن أبان.
الثاني: عدم قبول المرسل مطلقا: وإلى ذلك ذهب الشافعي وأحمد في إحدى =