للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المشرق طائفة منهم، كصنيعه بأبي علي القالي (١) الذي استدعاه من بلده "فتلقاه بالجميل وحظي عنده، وقرب منه، وبالغ في إكرامه" (٢) فاستوطن قرطبة، ونشر علمه بها.

وكان ولع أهل الأندلس بالكتب وجمعها شيئًا عظيمًا، لا ينقضي منه العجب، ولا يدانيهم فيه أحد، واختص أهل قرطبة منهم من ذلك بالقدر العلي، والشأن الجلي، قال المقري وهو يذكر محاسن قرطبة وفضائلها: "ومن محاسنها ظرف اللباس، والتظاهر بالدين، والمواظبة على الصلاة، وتعظيم أهلها لجامعها الأعظم ... والتستر بأنواع المنكرات والتفاخر بأصالة البيت وبالجندية وبالعلم، وهي أكثر بلاد الأندلس كتبا، وأهلها أشد الناس اعتناء بخزائن الكتب، وصار عندهم من آلات التبين والرياسة حتى أن الرئيس منهم الذي لا تكون عنده معرفة يحتفل في أن تكون في بيته خزانة كتب، وَيَنْتَخِبُ فيها، ليس إلا لأن يقال فلان عنده خزانة كتب، والكتاب الفلاني ليس عند غيره، والكتاب الذي هو بخط فلان حصله وظفر به" (٣) ولقد كان


(١) هو إسماعيل بن القاسم أبو علي القالي اللغوي رحل إلى العراق في طلب العلم، وسمع من علمائها فأكثر، ومال بطبعه إلى اللغة وعلوم الأدب، فبرع فيها، واستكثر منها، قال الحميدي: "وقد ألف في علمه الذي اختص به تواليف شهورة تدل على سعة روايته وكثرة إشرافه، وأملى كتابا سماه: "النوادر" يشتمل على أخبار وأشعار ولغة".
قلت: وطبع مع "الأمالي"، توفي سنة ٣٥٦ هـ انظر: تاريخ ابن الفرضي (ص ٦٧) وجذوة المقتبس (ص ١٤٥) وبغية الوعاة (ج ١/ ص ٤٥٣).
(٢) انظر جذوة المقتبس (ص ١٤٥).
(٣) انظر نفح الطيب (ج ٤/ ص ١١٣ - ١١٤).