للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل قرطبة يتغالون في اقتناء الكتب، وإن لم تكن لهم بها حاجة، قال الحضرمي: "أقمت بقرطبة، ولازمت سوق كتبها مدة أترقب فيه وقوع كتاب؛ لي بطلبه اعتناء إلى أن وقع، وهو بخط فسيح، وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح، فجعلت أزيد في ثمنه، فيرجع إلي المنادي بالزيادة إلى أن بلغ فوق حده، فقلت له: يا هذا أرني مَنْ يزيد في هذا الكتاب حتى بلغه إلى ما لا يساوي، فأراني شخصا على لباس رياسة، فدنوت منه، وقلت له: أعز الله سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركته لك، فقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حده: فقال لي: لست بفقيه، ولا أدري ما فيه، ولكني أقمت خزانة كتب، واحتفلت بها لأتجمل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضعٌ يسع هذا الكتاب، فلما رأيته حسن الخط، جيد التجليد استحسنته، ولم أبال بما أزيد فيه، والحمد لله على ما أنعم من الوزق، فهو كثير" (١).

ولقد ضم عصر ابن حزم مكتبات خاصة غير مكتبة "الحكم"، ومن هذه المكتبات، مكتبة قاضي الجماعة بقرطبة أبي المطرف عبد الرحمن بن فطيس (٢): فقد "كان له بداره مجلس عجيب الصنعة، حسن الآلة:


(١) انظر نفح الطيب (ج ٤/ ص ١١٤).
(٢) هو القاضي أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس كان قد تقلد خطة المظالم في عَهْدِ المنصور بن أبي عامر، فكانت أحكامه شدادا، وعزائمه نافذة وله على الظالمين سورة مرهوبة، وشارك الوزراء في الرأي إلى أن ارتقى إلى ولاية القضاء بقرطبة، وجمعت له خطة الوزارة والصلاة، وقل ما اجتمع ذلك لقاض قبله بالأندلس، انظر: تاريخ قضاة الأندلس (ص ٨٧ - ٨٨).