للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملبس كلله بالخضرة، جدرانه وأبوابه، وسقفه وفرشه وستوره، ونمارقه، وكل ذلك متشاكل الصفات، قد ملأه بدفاتر العلم، ودواوين الكتب التي ينظر فيها ... وبهذا المجلس كان أنسه وخلوته" (١).

وكان لسان أهل الأندلس أفصح الألسن، وأبعده من العُجمة، وتد عجب أبو علي القالي من صفاء لغة أهل الأندلس ونقائها من الكدر فقال: "لما وصلت القيروان، وأنا أعتبر مَنْ أَمُرٌّ به من أهل الأمصار فأجدهم درجات في العبارات، وقلة الفهم بحسب تفاوتهم في مواضعهم منها بالقرب والبعد، كأن منازلهم من الطريق هي منازلهم من العلم محاصةً، ومقايسةً، فقلتُ إن نقص أهل الأندلس عن مقادير مَنْ رأيت مِن أفهامهم بقدر نقصان هؤلاء عمن قبلهم، فَأَحْتَاجُ إلى ترجمان في هذه الأوطان قال ابن بسام: "فبلغني أنه كان يصل كلامه هذا بالتعجب من أهل هذا الأفق الأندلسي في ذكائهم، ويتخطى عنهم هذه المباحثة والمناقشة، ويقول لهم: إن علمي علم رواية، وليس علم دراية، فخذوا عني ما نقلت" (٢).

وازدحمت قرطبة بالعلماء (٣) في عصر المنصور بن أبي عامر، حتى إنه كان يصطحب منهم إلى الغزو جمعا غفيرا، وعددا كثيرا، قال لسان


(١) انظر: تاريخ قضاة الأندلس (ص ٨٨).
(٢) انظر: الذخيرة (ج ٥/ ١/ ١) ونفح الطيب (ج ٢/ ص ١٢٥).
(٣) ولذلك كان ولع أهل الأندلس بها كبيرا، وأحسن ما يبين ذلك ويجليه قول ابن حزم:
وَيا جَوْهَرَ الصِّبن سُحْقًا فَقَدْ ... غنيتُ بياقوتة الأندلس
وانظر: دراسات عن ابن حزم (ص ٢٠).