والبرغوث لها دم طَاهِرٌ بَيِّنٌ، وليس في الخبر المذكور تخصيص سائل من غير سائل (١).
قال أبو محمد: وهذا يكثر منهم جدا، بل ما يكاد يسلم لهم خبر احتجوا به من صحيح، أو سقيمٍ، مِنْ أن يكونوا يخالفون ما فيه، وأن لا يكون فيه شيء مما احتجوا به فيه، فَهُمْ في ضلالٍ مُتَّصل، ونعوذ بالله مِنَ الخذلان، وفي بعض ما ذَكَرْنَا كفايةٌ لمن نَصَحَ نفسه منهم، في أن يتداركها بالتوبة من المعصية لأوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن تقويله ما لم يقل، والتلاعب بالسنن، وتصحيح الباطل، ورد الثابت في كل ذلك.
ولما بلغنا مكاننا هذا، اعترضنا بذكر تخاليط لهم أخر؛ ومناقضات فاحشة في أخذهم تارة بالعموم في نص الخطاب، وتارة بتخصيصه بلا برهان إلا التحكم بالهوى فقط؛ ومن أخذهم تارة بالقول بالوجوب في أوامر النصوص، وتارة بحملها على الكراهة، والندب بلا برهان إلا التحكم بالهوى فقط، ومن أخذهم تارة بشيء سموه دليل الخطاب، وهو أن يقولوا: إن ما لم يذكر في هذا النص، فهو بخلاف حكم هذا النص، وتركهم القول به تارة بلا برهان في كل ذلك، إلا التحكم بالهوى في تقليد فاحش خطأ أبي حنيفة وفاسد آرائه، وبالله تعالى التوفيق.
(١) قال الحنفية: موت ما لا دم له كالبق والذباب والزنبور والعقرب والسمك والضفدع والسرطان لا ينجس الماء، واستشهدوا بالحديث الذي أورده المؤلف هنا، ومعنى "لا دم له". أي سائل وانظر: تحفة الفقهاء (١/ ٦٢) وتبيين الحقائق (١/ ٢٣).