لأن أهل الأموال إنما يدفعون أموالهم إلى أهل المصارف من أجل هذه النسبة الربوية وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه-، وعن أبي سعيد الخدري وعبادة بن الصامت -رضي الله عنهما- نحوه، وقد تقدم ذكرهما في أول الكتاب.
الوجه الثالث: أن يقال: إن كل ما يأخذه أهل الأموال من الزيادة على رؤوس أموالهم فهو ظلم وإن كانت الزيادة شيئا يسيرًا، والدليل على هذا قول الله -تعالى-: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} فدلت الآية الكريمة على أنه لا يجوز أخذ ما زاد على رؤوس الأموال؛ لأن ذلك من الظلم.
الوجه الرابع: أن يقال: إن نصوص القرآن قد جاءت على وجه العموم الذي يشمل جميع أنواع الربا وليس فيها ما يدل على تخصيص نوع منه دون غيره من الأنواع، وغاية ما يتعلق به المفتونون بتحليل الربا ما ذكره بعض المفسرين أن بعض الآيات نزلت بسبب ما كان باقيا من ربا الجاهلية، وليس في هذا ما يتعلق به المبطلون؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين؛ ولأن الله -تعالى- أمر أهل الأموال أن يأخذوا رؤوس أموالهم ولا يزيدوا عليها ونص على أن أخذ الزيادة على رؤوس الأموال ظلم، وفي هذا أبلغ رد على الفتان الذي يحاول تحليل الربا في المصارف ويتأول القرآن على غير تأويله ويضعه على غير مواضعه.
فصل
وقال الفتان:"نحن نعرف أن المصارف تقرض بأجل أي توظف الزمن، ولا شك أن للزمن في ميدان النشاط الاقتصادي دورًا بارزًا لا مجال لإنكاره، ومن ثَمَّ فمن حق المتعامل أن يستفيد به، ولذلك جاز بيع السلعة بثمن أغلى نظير الأجل، ومهما قيل في تفسير تلك العملية فإن عنصر الزمن بارز فيها، وأي إنكار له هو تخريج من بعيد ومتكلف ونعرف أيضا أن للزمن قيمة مالية في الإسلام، وتأييدًا لما نقول نقدم بعض العبارات للإمام الشافعي حيث قال في الأم: "الطعام الذي إلى الأجل القريب أكثر قيمة من الطعام الذي إلى الأجل البعيد"، وقال: "مائة صاع أقرب أجلاً من مائة صاع أبعد أجلاً منها أكثر في القيمة، أي أن القيمة الحالية لمائة صاع قريبة الأجل أكبر من القيمة الحالية لمائة صاع بعيدة الأجل".