والجواب: أن يقال: إن كلام الفتان في هذه الجملة كله شبه وتلبيس على الجهال ليوقعهم في أكل الربا واستحلاله في المعاملات مع أهل المصارف.
فأما قوله: إن المصارف تقرض بأجل.
فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن تأجيل القرض لا يجوز في أصح قولي العلماء وهو قول الجمهور، قال النووي في الروضة:"ولا يجوز شرط الأجل فيه ولا يلزم بحال". انتهى. وعلى القول بجواز التأجيل فليس فيه ما يتعلق به الفتان في تحليل الربا؛ لأن القائلين بجواز التأجيل يمنعون من اشتراط الزيادة في القرض ويرون أن ذلك من الربا.
الوجه الثاني: أن يقال: إن أهل المصارف إنما يقرضون بأجل لأنهم يشترطون على المقترض أن يرد إليهم بدل القرض وزيادة معلومة في كل مائة، فإذا أقرضوا إنسانًا مائة ألف درهم مثلا اشترطوا عليه أن يرد إليهم مائة ألف درهم وزيادة ثلاثة آلاف درهم أو أكثر أو أقل على حسب طول مدة الأجل وقصرها، وهذا عين الربا، قال الشيخ الموفق في (المغنى): "كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف"، قال ابن المنذر:"أجمعوا على أن المستسلف إذا شرط على المسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا، وقد روي عن أُبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة، ولأنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه، ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة، مثل أن يقرضه مكسرة ليعطيه صحاحًا أو نقدًا ليعطيه خيرًا منه". انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"القرض إذا جر منفعة كان ربا"، وقال أيضًا:"كل قرض جر منفعة فهو ربا، مثل أن يبايعه أو يؤاجره ويحابيه في المبايعة والمؤاجرة لأجل قرضه، فإذا أقرضه مائة درهم وباعه سلعة تساوي مائة بمائة وخمسين كانت تلك الزيادة ربا، وكذلك إذا أقرضه مائة درهم واستأجره بدرهمين كل يوم وأجرته تساوي ثلاثة، بل ما يصنع كثير من المعلمين بصناعهم يقرضونهم ليحابوهم في الأجرة فهو ربا، وكذلك إذا كانت الأرض أو الدار أو الحانوت تساوي أجرتها مائة درهم فأكراها بمائة وخمسين لأجل المائة التي أقرضها إياه فهو ربا". انتهى كلامه، وهو في صفحة خمسمائة وإحدى وثلاثين وصفحة خمسمائة وثلاث وثلاثين من المجلد التاسع والعشرين من مجموع الفتاوى.