للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والموضوعات التي تتكرر في القرآن كثيرة، تَقِف على قِمَّتها تلك الموضوعات التي تتناول جوانب الهداية فيه، والتي تمَّ ذكرها في الفصل السابق.

فالتعرف على الله عز وجل يحتل مساحة ضخمة في القرآن، ولا تكاد تمر آية إلا وتجد فيها تعريف بالمولى سبحانه وتعالى وبحقوقه علينا من عبادات قلبية وجوانب تشريعية.

ومن الموضوعات التي تتكرر كثيرا في القرآن: قصة وجودنا على الأرض، وطبيعة الدنيا وأنها دار امتحان ينتهي بيوم عظيم للحساب، تُعرض فيها الأعمال، وتُعلن النتائج، ليفوز الناجحون بالجنة التي أعدَّ الله لهم فيها شتى أنواع النعيم، ويذهب الراسبون إلى النار فيذوقوا من ألوان العذاب .. أعاذنا الله منها.

ويُحذرنا القرآن دوما من عداوة الشيطان لنا وعمله الدائب لإضلالنا، ويُكرر لنا السنن والقوانين التي يحكم الله بها الحياة لنتذكرها ونستفيد بها.

ويُذكِّرنا القرآن كذلك بحقوق الناس بعضهم على بعض، ويُكرر علينا قصص السابقين لتتأكد لدينا المعاني والعِبر التي تحملها ...

ثالثا: رسم خريطة الإسلام:

ومن وسائل القرآن في إعادة تشكيل العقل: رسم خريطة الإسلام بنِسَبِها الصحيحة في ذهن قارئه، فالقرآن يُعطي لصاحبه تصورا عاما لكل ما هو مطلوب منه، وعلاقته بكل شيء حوله، ولا يكتفي بذلك بل يضع كل أمر في حجمه المناسب له في شجرة الإسلام، فهو يرتب الأولويات، ويُكون الشخصية المعتدلة، المتوازنة، والتي تُعطي كل ذي حق حقه، فعلى سبيل المثال: نجد قضية الجهاد في سبيل الله قد أخذت مساحة معتبرة في القرآن بل نجدها تتقدم في الأولوية على عبادات أخرى عند تعارضها.

قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: ١٩، ٢٢].

فمن يترك عقله للقرآن، سيجد بلا شك أن شخصيته قد تشكلت بصورة متوازنة، وستتكون لديه ملكة معرفة الأهم فالمهم لكل قضية حين يطرحها القرآن، وستوضع في ذهنه بالحجم المناسب الذي يتناسب مع اهتمام القرآن بها.

ولك أن تتخيل - أخي القارئ - ماذا يمكن أن يحدث لو اتجهت عقول الأمة إلى القرآن ليصبح المصدر الرئيسي للتلقي؟ وكيف ستكون نسبة الاتفاق بين أفرادها؟! ...

وخلاصة القول: أن القرآن يعيد تشكيل العقل، ويقوم ببناء اليقين الصحيح فيه من خلال مخاطبته له بأساليب شتي، مما يؤدي إلي إقناعه بما يحمل من أفكار فتنتقل تلك الأفكار بسهولة ويسر إلي منطقة اللاشعور، وتترسخ فيها من خلال تكرارها في السور والآيات لتشكل بعد ذلك نقطة بداية قوية لانطلاق السلوك المعبر عنها ... .

والقرآن لا يركز على قضايا بعينها، بل يرسم في الذهن خريطة شاملة وواضحة للإسلام، ويُعطي كل جزء فيها اهتمامًا يناسب حجمه، فينشأ عن هذا كله تصحيح للمفاهيم الخاطئة وتغيير للثوابت الموروثة، لتحل محلها معاني القرآن وثوابته، وهذا من شأنه أن يُحدث وحدة التصور لدي أفراد الأمة.

<<  <   >  >>