وبالجملة فإن الحديث شجون، والجنون فنون، والأمر كما قال، في تأليف القيل
والقال:
لو لم أقل هذا وهذا وذا ... بأي شيء كنت أملي الكتاب؟
والحوراء هذه تشتمل على أشجار ملتفة وبها شجر الأراك، وأطيار متنوعة، إلا أن ماءه في غاية الكدورة، مفرط في الإسهال، وقلت لما ذكرت بها فضيلة العين الزرقاء:
قد أتينا الحوراء في يوم حرٍ ... شمسه كالعقيقةِ الحمراء
وشربنا مياهه وحمدنا ... إذ عرفنا فضيلة الزرقاء
ويعجبني قول القائل:
مدينةُ خير الخلق تحلو لناظري ... فلا تعذلوني إن فُتنتُ بها عشقا
يقولون في زرق العيون شآمة ... وعندي أنَّ اليُمْن في عينها الزَرْقا
[فائدة]
العين الزرقاء منسوبة إلى الأزرق، مروان بن الحكم، لأنَّه أجراها وهو والٍ على المدينة المنورة، وأصلها من غربي مسجد قبا، تجري إلى المصلى، وعليها قبة، الماء منها في وجهين شرقي وشمالي، كذا قيل. ولعل الزرقاء صفة للعين لأن جميع مياه ذلك الوادي تُرى كالنيل الأزرق، ولأنّ ذلك الماء قبل مروان وآبائه، وكانت بالمدينة عيون متنوعة متعددة وقد صارت في خبر كان، إلا أن ذيولها وآثارها تشهد لها، قيل: وكان يُجذّ بالمدينة وأعراصها مائة وخمسون ألف وسق بعير من التمر، ويحصد مائة ألف وسق من الحنطة. ويروى أن بالمدينة من عيون النبع غير الجارية ستة عشر ألف ساقية.
(حكى) السمهودي في الخلاصة أنه لما قدم المدينة تتبع إحصاءها فكانت كذلك، وهذه الخلاصة من أحسن تواريخ المدينة الشريفة، وأنشدني في ذلك إجازة لنفسه الشيخ إبراهيم أبو الحرم: