ولله درّ القائل:
بني الدنيا أقلّوا الهمّ فيها ... فما فيها مايؤولُ إلى الفواتِ
بناء للخرابِ وجمعُ مالٍ ... ليفنى والتوالد للمماتِ
قيل: وهبوب الصبا في أهلها، مما يصلح أمرهم ويُرق طباعهم، ويرفع همتهم، إلا أنهم على ذلك موصوفون بالشح. وهذا فيما كان، وأما الآن فلا نقص في معايبهم، قال من لا قال في ساحتهم:
رأيتُ في النوم أبي آدما ... صلى عليه الله ذو الفضلِ
والناس يشكون بأنواعهم ... من حُمق أهل الغربِ والبخلِ
فقال: حوّا أمكم طالقٌ ... إن كان أهل الغرب من نسلي
وقال:
لا تعتبنّ على بخل مغاربة ... طباع أنفسهم تبدي الذي فيها
فالشمسُ تبدو وفي الدنيا أشعتها ... حتى إذا وصلت للغرب تخفيها
وقال آخر يهجوهم:
يقولون أهل الغرب أهل فضيلة ... وكلّ امرئ قد قال حسب مقالهِ
وما الغرب إلا مطلع كلّ ناقصٍ ... وبرهان ما قلنا طلوع هلالهِ
أبو حبان الأندلسي:
وأوصاني الوصيُ وصاة نصح ... وكان مهذّباً شهماً أبيّا
بأن لا تُحسنن ظناً بشخص ... ولا تصحب حياتك مغربيّا
[قصة]
وليست من باب المعاتبة، ولكن الشيء بالشيء يذكر بالاستطراد وبالمناسبة، وبرزتُ يوماً من باب السدرة متنزهاً، فرأيت جماعة من الناس حول عمود السواري، فدنوت منهم فإذا بهلوان من أروام حلب، رطب القوام عذب الكلام، فوه
ماء الحياة، شاربه أخضر لم يصل إلى الظلام، قد نصب الحبال إلى رأس العمود وارتقاها، وأظهر من فنون الصنعة وأعاجيبها ما أدهش به العقول وحيّر الأفكار، ثم قال: يا أهل الإسكندرية أعينوني على السفر وأنا أريكم عجائب هذه الصنعة، فلما نزل إليهم ليجمع منهم شيئاً من الدنيا، فروا كالعرب المأخوذة فتذكرت قول القائل: