للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال:

فسرنا ووهجُ الجوّ أَوقد حرّه ... وليس إلى شمّ النسيم سبيلُ

كان نسيم الجوّ قد مات وانطوى ... فعهدي به في الشام وهو عليلُ

ثم أتينا على هدية وهي شعب مسيل، فيه نخل وماء من بقايا السيل، وهو من أخبث المياه وأضرَّها، وسمومها يورث الحميّات، وبالجملة فإنها بقعة وخيمة ورقعة ذميمة، سهام وبائها صائب وحمى خيبرها متناوب، وداخلها لا يأمن من الدنيا الفراق، ولو كان له ألف راق، وكيف لا وهواؤها سهام بالليل، سموم بالنهار، وماؤها يسيل بالصحة والأعمار، وهي على مرحلة من خيبر، وخيبر اسم ولاية مشتملة على حصون وعيون ومزارع ونخيل، على ثلاثة أيام من المدينة، على يمين الخارج إلى الشام.

ثم رحلنا فلم نزل نطوي بالسير الفيافي القفار، فمررنا بالعقبة السوداء، ومنها ترى الفحلتان، ثم أتينا على الفحلتين وهما قُنّتان على شاهق جبل من غربي الجادة، ثم أتينا على وادي القرى، قيل كان بها ألف قرية ولم يبق منها غير الأطلال، ومنها كثيِّر عَزَّة، ولا ماء به، وحرّه شديد، ولذلك قيل:

وادي القرى شاهدته ... ما فيهِ للضيفِ قِرى

وفي المصيفِ حرّه ... تحسبُ فيه سقرا

[المدينة المنورة]

ثم امتطينا متن الغبراء، وازورّ مسيرنا لنحو الزوراء، فلم نزل كذلك، نجوب هاتيك المسالك:

ولأهلِ الزوراء في القلب ود ... فسلام على حمى ساكنيها

هي دارُ السلامِ طابت مقاما ... ومقيلاً والقول ما قيل فيها

وقد زاد الشوق وحث السوق:

وأعظم ما يكون الشوقُ يوماً ... إذا دنت الخيام من الخيامِ

<<  <   >  >>