قلت ماذا أقول في وصف أرض ... هي في وَجْنة المحاسنِ شامَه
هذا، وشاعرها الشهاب الرومي، لما تضايقت عليه السبل فيها، وتكدّر لديه من مواردها الهنيَّة صافيها، أنشأ يقول بلسان الاضطرار على ما قضت به الأقدار:
ترحّل عن دمشق فليس فيها ... يقدّم غير من أضحى سفيها
وطالعها مدى الأيام قبض ... على أغنى الورى من ساكنيها
كأن فتىً بناها من قديم ... بنى رصد العكوس على بنيها
أكابرها على الفقراء جارت ... وجاهلُها أذلَّ بها النبيها
وقلَّ بأن ترى إخوان صِدق ... لنفسك في الكريهة ترتضيها
وأنفَسُهُم تراه أشرَّ نفسٍ ... يميل إلى الخساسة يشتهيها
فياللهِ من زمنٍ عجيب ... به قد تاهت الجهلاءُ تِيها
تطوف بأرضها شرقاً وغرباً ... فلم ترَ في الرياض بها نزيها
فإن رُمت التقرب من حِماها ... إلى أرضٍ لنفسك ترتضيها
فعرِّج بالرِّكاب لحيِّ مصر ... وحَيّ غصون بانٍ مِسْنَ فيها
تتيه على البلاد إذا تبدَّت ... بعصبتها وتَفْتِنُ واصفيها
تَحِنُّ على الغريب حنوّ أصلٍ ... فتنسيه الديار وقاطنيها
بلاد قد حَوَت بالكسر جَبْراً ... وروضة مشتهاها أشتهيها
فيالله هل لي ما أراها ... فتلك ديارُ أنسٍ أختليها
[سيل في الكعبة المشرفة]
وفي غُرَّة شوال يوم عيد الفطر، كان الخطيب يوسف السقيفي وكانت خطبته على نمط الخطب الرومية، ولم تكن تعرف هذه الطريقة في الديار الشامية، على ما يقال، فهو أول من ابتدع ذلك هناك. وفي عاشر شوال داروا بالمحمل السلطاني تذكيراً للحج، وهو من الأيام المعدودة، وفي آخر النهار احترق قصر الملك الظاهر في غربي القلعة، فتشوشت له الخواطر، وفي صباح تلك الليلة وصل إلى الشام
نجاب على يده مكاتيب إلى الروم، فأخبر بسقوط البيت الشريف، وكان من أمره أنه لما كان العشرون من شعبان انهدم من البيت جانباه الشرقي