والجار محسّوب على جيرانهِ ... جارٌ كريم مسامح من ذنبهِ
وقال غيره:
يا أهل طيبة قد سكنتم أضلعي ... فودادكم نامٍ وشوقي محكمُ
لاغرو أن أرعى هواكم منشداً ... من أجل عينٍ ألفُ عين تكرمُ
[الخاتمة]
هذا آخر هذه الرحلة المكتوبة، ولله الحمد على فراق تلك الأوقات المتعوبة، فليكن محمولاً على متن الحلم كلامها الموضوع، فقد علم الله تعالى أنها صدرت عن قلب مكسور وفؤاد مصدوع، وقد أنشأتها بالاغترار، وأمليتها بلسان الاضطرار، فكانت من سقط المتاع، المستوجبة لأن لا تباع، لا سيما إن رميت بالكساد، وإفساد الحساد، وقيل هذا هذاء، هذاء إذا كان من منح هذا الدهر الملوم إساءة وإيذاء، فالمرجو من ذوي الإنصاف، والمعصوم عن وَصْمَة الاعتساف، المعذرة فيما طغى به القلم، وزلَّت فيه القدم، على أن المعترض مصاب وإن أصاب.
وليس اعتقادُ المرء ما خطَّ كفه ... كما أنّ حاكي الكفرَ ليس بكافرِ
على أن الحاكم بالتخطئة لا يخلو من حسد أو عناد، ولا ينجو من هوى يعدل به عن سبيل الرشاد، وعسى أن يظفر بمخرج صالح لو دقّق النظر، أو يقف على
منهج واضح إن لاحظ المقصد المعتبر، ولكن من جُبِلت جِبِلّته بماء التعسف، وخُمِّرت طينته بالعناد والتكلف، لا يزال يرفع عن قبول الحق شامخ أنفه، وإن أوتي الحق الصريح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
خذ من زمانكَ ما صفا ... ودع الذي فيهِ الكدر
فالعمرُ أقصرُ مدةً ... من أن يدنسَ بالغِيَر
وحيث تشرفت بألقاب قطب دائرة الوجود، ومركز العلم والحلم والجود، فلا غرو أن تكون من أحسن الرسائل وأنفع الوسائل، لا سيما وقد احتوت على كثير من مفيد الأخبار، وانطوت على مواعظ ترتضيها الأحبار، إلى غير ذلك مما يفيد سلامة الطبع لمن كان له قلب أو ألقى السمع.