للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم نزلت ذلك النيل في معاش صحبة رجل من الروم، لا يجد لديه المؤملّ من الوفاء ما يروم، وكنت أتوخى فيه مكارم الأخلاق، وأزعم أنه من أحسن الرفاق، فوجدته بضد ما أملته:

وما كلّ وجه أبيض بمبارك ... ولا كلّ جفن ضيق بنجيبِ

أو هو كما قال:

أمّلْتُهُ ثم تأمّلته ... فلاح لي أن ليس فيه فلاح

وإن من يُنْزِل آمالَه ... بحادث السعد قليل النجاح

ولما أرخى الليل قِناعه، ومدّ علينا شراعه، سَرَيْنا وقد ألقى البدر نُوره، ونشر الروض بالتعريف نَوْره، فسرنا والليل يسري، والكواكب تسير والنهر يجري، وكأنَّما النيل بحر لجين في تموّجه، أو خدّ ذي دلال في تضرّجه، وقد قلبتنا أصابعه، وتكسرت بتلك الأمواج أضالعه، حتى أسفر الصباح، وشعشع ضياؤه ولاح، فإذا نحن في سيران ما بين جنان.

والماء تلعبُ أطراف النسيم به ... ما بين ماضٍ وآتٍ أي تَلْعابِ

كأنَّه زرد الدرع المضاعف أو ... نقش المبارِدِ أو تفريك أثوابِ

أو كما قيل:

النهر مولى والنسيم خديمه ... هذا الكلام ليس فيه تشكك

لو لم يكن في خدمة النهر انبرى ... ما كان يصقل ثوبه ويفرّك

[فائدة]

قال السيوطي عند قوله تعالى فأخرجناهم من جنات وعيون: كانت الجنان بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد، وكلها كانت تروى من ستة عشر ذراعاً، فسبحان الحكيم الذي لم يزل.

<<  <   >  >>