قال البصير في التذكرة: المصطكي وهو العِلْك الرومي، ولا يوجد إلا بصاقص من أعمال رودس في الخامس، وقيل يوجد بإشبيلية من الأندلس إلا أنه غير جيد، وشجره في البساطة ولطف العود والورق كشجر الأراك، يُؤخذ صمغه في شمس الجوزاء فتبقى قوته نحو عشرين سنة، وهو حار في الثانية يابس في الثالثة، أجوده الأحمر البراق والأبيض المُفْرِط في اليبس الهيِّن الانفراط، ومن خواصه تسهيل البلغم مضغاً وإذهاب الصداع وحديث النفس، وإذا بُخِّر به قطن بُلَّ بماء
ورد وجُعِل على العين سكن الرمد والوجع، قال وهو مجرب. ثم قمنا منها وقد أغرقتنا الأنواء بالغمام، فتوقعنا قبل الوصول للحمى وِصَال الحِمام، وبلينا من خفق الغراب بأليم العذاب، وقد اسودَّ السحاب فشابت منه ناصية البحر، وبات الثلج منا ما بين السحر والنحر، وقد تطايرت القلوب من ليل هو أشد سواداً من الغراب، وغراب هو أعظم في تقلّبه من الطائر النعاب، فكنت كما قال:
وركبت بحر الروم وهو كحَلْبَة ... والموج تحسبه جواداً يركض
كم من غراب للقطيعة أسود ... فيه يطير به جناح أبيض
[الديار العثمانية]
فلم نزال كذلك حتى نزلنا على مَرْمَرَة، وهي قرية لطيفة يحمل منها أحجار المرمر إلى تلك البلدان، ثم أتينا إلى البُغاز وهو في اللغة التركية بمعنى المأزمين في العربية، وهو مضيق بين جبلين تحت كلّ منهما قصبة وقاض، وفيهما عمال السلطنة فلا يخرج عنهما مراكب إلا بتمسك. ولما كان يوم الثلاثاء الثاني والعشرون من جمادي الآخرة أقبلنا على القسطنطينية المحمية، ولاحت لنا بهجة تلك الأراضي السَنِيّة، وارتفعت أعلام تلك الديار العثمانية، وأضاءت أنوار القباب الخاقانية، فإذا هي بلدة تعطرت أرجاؤها عبهراً وعبيراً، وإذا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعيماً وَمُلْكاً كَبِيراً قد تفردت بالكبر