ثم لم أزل كذلك على ظهر ذلك البحر الأسود، وأنا أتمنى فراقه ولا أقول العود أحمد ولولا ما حصل للخاطر في ذلك المقام من الجمع التام، لدى ذلك المقام العالي الأعز المتلالي، فإني وجدت في خزانته من الكتب المفتخرة، والدفاتر المعتبرة، ما وقعت به على ضالتي المنشودة، وبقية روحي المفقودة، فكنت أسرّح
طرفي في طرفها، وأسْرَح في رياضها فأجتني اللطائف من مبسوطها ونتفها.
إذا ما خلوتُ من المؤنسين ... طلبت المؤانسَ في الدفترِ
فلم أخلُ من شاعر محسنٍ ... ومن فاضلٍ ناصح منذرِ
ومن حكم بين أثنائها ... فوائد للناظر المُفكرِ
فلست أرى مؤثراً ما حييت ... نديماً عليها إلى المحشرِ
ومن إملاه دام علاه:
لا تقعدن على ضيم ومسغَبةٍ ... لكي يقال عزيز النفس مُصطبرُ
وأنظر بعينك هل أرض مُعطلة ... من النبات كأرض حفّها الشجرُ
وانقل ركابك عن ربع ظمئتَ به ... إلى الجناب الذي يَهمى به المطرُ
واستنزل الري من درِّ السحاب فإن ... بُلّت يداكَ به فليهنك الظفرُ
وإن رُددت في الردِّ منه منقصة ... عليك قد رُدَّ موسى قبل والخضرُ
ولما كان اليوم الثاني عشر من جمادى الآخرة، وصلنا إلى صاقص، وهو بالتركية اسم للمصطكي سمّيت به تلك الجزيرة لأنَّه لا يوجد إلا بها، قيل يخرج منها مائة صندوق في كلّ عام، فتوزع على سائر البلاد، في كلّ صندوق مائة أقة بوزن البلاد، وما زاد على ذلك رُمي في البحر كيلا يرخص