دخل على الملك العظيم عيسى فأراد أن يعاقبه، وكان عنده ابن شبرمة، فقال له الملك: أتعرف هذا الرجل؟ قال: نعم إن له بيتاً وشرفاً وقدماً. فأمر بإطلاقه وأحسن إليه. فقيل لإبن شبرمة: هل عرفته قبل ذلك؟ قال: ما رأيته قبل هذا الوقت، ولكن لما نظر إلي فأمّل فيّ الخير كرهت أن أخذله. قيل: فكيف نعته؟ قال: أعلم أن له بيتاً يأوي إليه، وشرفه أذناه ومنكباه، وقدمه الذي يمشي عليه، فلله هذا الاشتراك الذي لولاه ما تهيأ لمستتر مراد. ما أحسن ما قال:
إن للهِ غير أرضك مرعى ... نرتعيه وغير مائك ماء
إن لِله في الخلائقِ لطفاً ... سبق الأمهات والآباء
ثم إني سرت في صحبة هذا العزيز محفوظاً بجنابه الحريز، وقد طار بنا ذلك الغراب الرحب الجناب، وقد أقبل الشتاء وجنوده، وزمجرت رعوده، وأشهر لوامع البرق، ورمى سهام أمطاره ما بين الغرب والشرق.
بسحابٍ إذا همى الماءُ منه ... ألهب الرعدُ في هواه البروقا
مثل ماء العيون لم يجر إلا ... ظل يذكي على القلوب حريقا
ونحن نسأل الله تعالى السلامة، وأن يخرجنا من هذا البحر وقد شملتنا منه كلّ منة وكرامة، وعلى ذكر الشتاء فما ألطف قول القطب مورياً بالبرد:
توقّ من الشتاءِ ولا تخاطر ... بنفسك قائلا إني جليد
فرضنا أن جسمك من حديد ... فهل يقوى على البردِ الحديد