البحر تمنع وصول شيء من المراكب إلى الباب، وهو قديم البناء محيط به البحر من جانب وبر الجزيرة من جانبين، وفيها بساتين، وكنايس عظيمة صارت مساجد، وحمام، وسوق كبيرة وهي الآن في ثوب البهاء، وخارج العمارة بساتين مختلفة الثمار والأزهار. ولها خبر طويل في الفتوحات السليمانية افتتحها السلطان سليم سنة تسع وعشرين وتسعمائة، فحصل بذلك لأهل الإسلام كمال المسرة، وعملوا تواريخ منها يفرح المؤمنون بنصر الله، قاله القطبي في الأعلام.
وأما البحر الرومي وهو بحر الشام والقسطنطينية، فهو يخرج في الإقليم الرابع من المحيط، فيمر مشرقاً بشمال الأندلس إلى القسطنطينية، ويمتد ببلاد الجنوب إلى سبته إلى طرابلس الغرب إلى الإسكندرية، ثم إلى سواحل الشام وإلى أنطاكية. قال المقريزي: وطول هذا البحر خمسة آلاف ميل وعرضه من سبعمائة إلى ثلاثمائة، وفيه مائة وسبعون جزيرة عامرة فيها أمم كثيرة معروفة، وحكى بعض الفلاسفة أنه كان ما بين الإسكندرية والقسطنطينية في قديم الزمان أرض تنبت الجميز، وكانت وخيمة وسكانها من اليونان، إلى أن خرق الاسكندر إليها البحر، فغلب على تلك الأرض.
ولما كان آخر جمادى الأولى، ركبت البحر صحبة أمير لواء البحر السكندري جمال الأمراء محمد بن سويدان، لا زال في كلاءة الملك الديان، فظفرت منه بما شغلني عن السكن والأهل والوطن، ولم أزل من مسامرته مدة مسايرته، فيما أنساني بإحسانه شتات الليالي، وأولاني من منثور فوائده ما هو أشرف من عقود اللآلي، فيا له من بحر يسير على بحر، وواسطة عقد محله من جيد المعالي ما بين السحر والنَحْر، وقد اختصرت فيما سطّرت، واقتصرت على ما ذكرت، فاقنعن من صفات مجد طويل بمقالي، فإن الكتاب قصير. ولما رآني وجهت إليه آمالي، وعولت فيما قصدت عليه، حقّق لي أملي، ولم ينظر إلى عملي، وأذكرني