ولما قضى على الوزير نادى باسمه في تلك الجهات، وأخذ العهود على أولئك الجند، فأقبل عليه الشريف محسن وحاصره إلى سَلْخ شعبان، ثم رجع إلى مكة وقد قتل جماعة ممن معه وثلاثة من بني عمه، وكان في عسكر لا يظن انكساره.
وما يمنعُ الجيشُ الكثير التفافهُ ... على غير منصورٍ وغير مُعان
فلما كان سابع عشر شهر رمضان قدم السيد أحمد في عسكره إلى مكة المشرفة، وخرج إليه الشريف محسن في جمع عظيم إلى ما وراء الحجون فوقع ما وقع، ورجع الشريف محسن إلى الحسينية وكان لا يُتَوهم رجوعه، والله غالب على أمره متصرف في ملكه، يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير:
ما اِختلف الليلُ والنهار ولا ... دارت نجوم السماء في فَلَكِ
إلا لينتقل السلطان من ملك ... قد زال سلطانه إلى ملكِ
ومالكُ العرش لم يزل أبداً ... ليس بفانٍ ولا بمشتركِ
ثم إن السيد أحمد دخل مكة المشرفة في ذلك الموكب الذي لم يسمع بمثله في قومه وأهله، فاستقر به سلطانه، وعظم مكانه وإمكانه، وقد خلت منازل الأشراف من سكانها، ونَعَقَ غرابُ البين في أركانها، وأصبحت تلك القصور كالممحوة من السطور، ومكة مستوحش فيها الأنيس، ويرثي لمصائبها إبليس.
كأن لم يكن فيها أوانسُ كالدُمى ... وأقيال مكة في بسالتهم أسدُ
تداعى بهم صرف الزمان فأصبحوا ... لنا عبرة تُدمي الحشا ولمن بعدُ
فلم يزل بمكة أميراً متغلباً على الأشراف، منصوراً بالرعب في سائر أقطار الحجاز، حتى أن كثيراً من الناس توهم أنه القائم من أهل البيت، وأسعد الله به من شاء من عباده، وأمدّه بسنا إمداده، وكان من أمره ما تناقله الركبان.
وكان ما كان مما لستُ أذكرُه ... فظُن خيراً ولا تسأل عن الخبرِ
ولم يزل على ذلك الحال، وملوك مكة في أكناف الجبال:
ولقد وقفت على منازلهم ... وطُلولها بيد البلى نهبُ
وبكيت حتى ضج من لَغَبٍ ... نِضْوي ولجَّ بعذليَ الركبُ