دينار صدقة، وذلك خلل في بيت المال، فكتب على ظهر الرقعة الغُرْبَة تذّل الأعناق، والفاقة مرة المذاق، والمال مال الله وهو الرزاق، فأجر الناس على عادتهم في الاستحقاق ما عندكم ينفد وما عند الله باق، وإنا لا نحب أن يؤرخ عنا
المنع وعن غيرنا الإطلاق، والآثار الحسنة من مكارم الأخلاق واليكم هذا الحديث يساق، وكان كثيراً ما يتمثل ببيتي حاتم:
شربنا بكاس الفقر يوماً وبالغنى ... وما منهما إلا سقانا به الدهرُ
فما زادنا بغياً على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بحسابنا الفقرُ
ونظير ذلك لما كثرت إنعامات الحاكم بأمر الله، توقف في إمضائها أمين الأمناء
حسين بن ظاهر الوزّان، فكتب إليه الحاكم بخطه: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله كما هو أهله: أصبحت لا أرجو ولا أتقي=إلا إلهي وله الفضلُ
جَدي نبيّ وإمامي أبي ... وديني التوحيد والعدلُ
المال مال الله والخلق عيال الله، ونحن أمناؤه في الأرض، أطلِق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام.
كل الأمور تبيد عنك وتنقضي ... إلا الثناء فإنه لك باقي
لو أنني خُيّرت كلّ فضيلة ... ما اخترتُ غيرَ مكارم الأخلاقِ
حكى المقريزي أن المرتّبات في أيام كافور الإخشيدي بلغت خمسمائة ألف دينار في السنة، لأرباب النعم والمسترفدين وأجناس الناس، ليس فيهم أحد من الجيش ولا من الحاشية، فحسّن له ابن الصلاح الكاتب أن يوفر من مال الرواتب، فلما جلس لذلك حكّه جبينُه فحكّه بقلمه، والحكاك يزيد، إلى أن قطع العمل لما به وقام فعولج بالحديد، حتى مات في سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، وفي ذلك