شخص على صورة الملك، وقوائم الفرس محكمة بالرصاص ماعدا يده اليمنى فإنها موقوفة في الجو، وقد فتح يده اليمنى مشيراً بها نحو بلاد المسلمين، وفي يده اليسرى كرة - قيل في اليمنى - طِلَّسْم يمنع العدوّ، وعلى اليسرى مكتوب ملكت الدنيا حتى صارت في يدي مثل هذه الكرة، وخرجت هكذا لا أملك منها شيئاً وفي المعنى:
وفي قبض كفّ الطفلِ عند ظهوره ... دليل على الحرص المركّب في الحيّ
وفي بسطها عند الممات إشارة ... ألا فأنظروني قد خرجت بلا شيّ
وبلفظ آخر:
دليل على حرص ابن آدم أنهُ ... ترى كفه مضمومةٌ عند وضعهِ
وفي بسطها عند المماتِ إشارة ... إلى صفرها مما حوى بعد جمعهِ
حكى القاضي شهاب في الفوائد السنية أن قسطنطين من أبناء الملك الأعظم الملقب قيصر، نشأ بمدينة الرها ونقل العلوم، ولم يزل في غاية من السعادة والظفر منصوراً على من ناواه، وكان في أول أمره على دين المجوس، شديداً على النصارى ماقتاً لدينهم، ثم رجع إليه، وسببه أنه ابتلي بجذام ظهر عليه فأغتمَّ لذلك،
وجمع الحذاق من الأطباء فاتفقوا على أدوية دبّروها له، وأمروه أن يستنقع بعد أخذ تلك الأدوية في صهريج مملوء من دماء أطفال رُضَّع ساعة، فأمر بجمع جملة من أطفال الناس وذبحهم ليستنقع في دمائهم وهي طرية، فجمعت الأطفال لذلك وعظم ضجيج أمهاتهم، فرحمهنَّ وقال: احتمال علَّتي أولى وأوجب من هلاك هذه العدة العظيمة من البشر، فأمر برد الأطفال إلى أمهاتهم، فانصرف النساء بأولادهن، فلما صار من الليل إلى مَضْجِعه، رأى في منامه قائلاً يقول له: إنك رحمت الأطفال وأمهاتهم، ورأيت احتمال عِلّتك أولى من ذبحهم، فقد رحمك الله تعالى ووهبك السلامة، فابعث إلى رجل من أهل الإيمان يدعى شلبشته وقِفْ عند ما يأمرك به. فانتبه مذعوراً وبعث في طلب الرجل، فلمَّا أتى به إليه أخبره بما رآه في منامه فَقصَّ عليه دين النصرانية فالتزمه، وشفاه الله تعالى. فأعلن بدين المسيح عليه السلام، فخلع طاعته أهل رومية فخرج عنها وبنى مدينة القسطنطينية، فعرفت به فسكنها وصارت تخت الملك، ثم خرج إلى رومية فلما دنا منهم