منه السحاب، ولم نزل من العناء والمشقة في وصب واكتئاب، القائم منا قاعد، والقاعد عن قطاره متباعد، والذي جماله ألقت رحلها، ومدّت رجلها، وقع في حيرة بين أن يترك متاعه أو يستغيث رباعه:
وأين الرفيق الشفيق الذي ... إذا أقعدتْك الرزايا أقاما
والذي تحرر وتقرر، قضت به العقبة، وحكمت به التجربة، إنه ليس لك من الصديق إلا ما فضل عنه. وقد حكي عن جعفر البرمكي أنه لما أصيب قيل له: لو بعثت إلى صديقك فلان ينظر في حال أهلك. فقال: دعوه يكن صديقاً. ومن أراد تحقيق هذا الموقف فليمعن النظر في كتاب الصداقة والصديق لأبي حيان التوحيدي، ولله در القائل:
إذا أعرضتْ فالأهلُ مني أجانب ... وإن أقبلتْ فالأجنبيُّ نسيبُ
وما زال الركب في كرب، حتى قطع العقبة، في يوم ذي مسغبة، ثم أقمنا على سطحها قصداً للراحة، واستطاب كلٌّ مراحه، وقمنا ندك الفيافي من غور إلى نجد، ومن سهل إلى وهد، مع ما لحقنا من البرد الشديد، والجهد الجهيد، حتى وصلنا إلى قلعة نَخِر بفتح النون وكسر الخاء المعجمة بعدها راء، كأنَّه مأخوذ من قولهم ما بالدار ناخر أي أحد، أو من العظام النخرة إذا دخل فيها الرياح لكثرة تهابها، ووادي النخل ولا نخل فيه، لأنَّه لا يخلو من السافي الناعم الذي كأنَّه
منخول، وبه بئر وفسقية تملأ منها، وحصار بناه الغوري زادت فيه العثامنة.