والوُرْقُ تنشد والنسيم مشبّب ... والنهرُ يسقي والحدائق تشربُ
وضياعها ضاعَ النسيمُ بها فكم ... أضحى له من بيننا متطلّبُ
ولكم طربتُ على السماعِ بعودها ... وغدا بربوتها اللسان يشبّبُ
فمتى أزور معالماً أبوابها ... بسماحها كتبُ الغرام تبوّبُ
وقد أبدع ابن الصائغ حيث قال:
أدمشق لا بعدتْ ديارك عن فتى ... أبداً إليك بكلّه يتشوّقُ
أشتاق منك منازلاً لم أنسها ... إنّي وقلبي في ربوعك موثقُ
مهما اتجهتُ رأيت دَوْحاً ماؤه ... متسلسل يعلو عليه ويخفقُ
فالريح تكتب والجداول أسطر ... خطاً له نسج الغمام محققُ
والطير يقرأ والنسيم مردِّد ... والغُصن يرقص والغدير يصفّقُ
ومعاطف الأغصان هزّتها الصبا ... طرباً فذا عارٍ وهذا مورقُ
والوردُ في الألوانِ يجلو منظراً ... ونسيمه عطرٌ كمسك يعبقُ
فبلابل منها تهيج بلابلي ... ولذاك أثواب الشقيق تشقّقُ
وهزاره يصبو إلى شحروره ... ويجاوب القمري فيه مطوّقُ
وكأنَّما في كلّ عود صادحٌ ... عود حلا مزموره والمطلقُ
والوُرْق في الأوراق شبه شَجْوها ... شجوي وأين مني الخليّ الموثقُ
يتلو على الأغصانِ أخبارَ الهوى ... فيكاد ساكن كلّ شيء ينطقُ
يا سائراً والريح تعثرُ دونه ... والبرقُ يَبْسِمُ إذ به يتألّقُ
إن جئت من وادي دمشق منزلاً ... لي نحوه حتى الممات تشوّقُ
بالجبهة الغراء والنهر الذي ... يزهو به القطر المنيف الأبلقُ
ورأيت ذاك الجامع الفرد الذي ... في الأرض مثل جماله لا يخلقُ
أبلغ منازلها السنيّة أنني ... أبداً لحسن بهائها أتشوّقُ
ما أنصح ما قال:
عرّج ركابك عن دمشق فإنّها ... بلد تذلّ لها الأسود وتخضعُ