فأقمنا في بيوت أذن الله أن يرفع شأنها، ويسبّح فيها بالغدوّ والآصال سكانها، وشهدنا من أهلها تلك الصباحة، وعلمنا مقر الملاحة والفصاحة، وما ألطف ما قال القاضي عز الدين الكناني:
تطالبني نفسي مقاماً بمكة ... فأذكر ضَعفَ أهلها فأقصّر
حياءُ من التقصير في حقِّ بعضهم ... وإرضاء كلّ منهم متعذّر
ويغلبني شوقي إليها فإنني ... أقدم رجلي تارة وأؤخّر
وما أحسن ما قال:
يا أهلَ دار المعلّى والبقيعِ سقتْ ... ربوعكم سحبٌ منهلّه الدِيَم
لو أن روحي في كفي لزرتكم ... سعياً على الرأس لا سعيا على القدم
ثم أخذنا بأطراف الملتزم، وتضلَّعنا من ماء زمزم، وأخذنا بحظّ من ذلك المقام، ورجونا الله تعالى تحقيق المرام:
أكرم بزمزم إذ غدا متفجِّرا ... بمعين ماء للمفاسد يصلحُ
ولما كان اليوم الثاني والعشرون من ذي الحجة الحرام، عدنا على تلك المنازل التي تقدَّم ذكرها، ورجعنا كما ترجع إلى منازل الأفق زُهْرُها، وعند افتتاح عام ختم قدمنا المدينة وقد حصل المراد وتم: