أُنظر إلى الهرمين واسمع منهما ... ما يرويان عن الزمان الغابرِ
لو ينطقان لخبّرانا بالذي ... فعل الزمان بأوّل وبآخرِ
ومن ذلك ما يحكى أن المنصور لما أفضت الخلافة إليه همَّ بنقض إيوان المداين، فوافقه أصحابه على ذلك إلا رجلاً من الفرس، فإنه قال: تعلم يا أمير المؤمنين أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من تلك القرية، وكان له فيها مثل ذلك المنزل وتلك الحُجَر، فخرج أصحابه مع ضعفهم إلى صاحب هذا الإيوان مع عزته وصعوبة أمره، فأخذوه من يده قهراً وقتلوه، فمن نظر إليه علم قوّة صاحبه، وأن الذي استولى عليه إنَّما أخذه بمدد من الله تعالى، فلا يشك في تأييده. فاتهمه المنصور لقرابته ثم أخذ في هدمه، فخرج على نقض شيء يسير منه جملة من المال، فعدل عما كان أراده. وقد أكثر الشعراء من ذكر الأهرام فمن ذلك للمتنبي:
أين الذي الهَرَمانُ من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرعُ
تتخلف الأيام عن أصحابها ... حيناً ويدركها الفناءُ فتُصرَعُ
وللفقيه عمارة اليمني:
خليليّ ما تحتَ السماءِ بنية ... تماثلُ في إتقانها هرمي مصرِ
بناء يخافُ الدهرُ منهُ وكلّ ما ... على ظاهر الدنيا يخاف من الدهرِ