قال أبو حبان: وأين هذا مما جرى لبعض ملوك بلادنا؟ وهو أنه كان بمجلس ندمائه وجارية تغني من وراء الستر، فاستعاد بعض الندماء من الجارية بيتاً، وكانت غنّت به، فما لبث أن جيء برأس الجارية في طشت، وقال له الملك: استعد هذا البيت من هذا الرأس، فسقط الكأس من يد النديم، ومرض مدّة حياة الملك.
(قلت) وهذا من ذاك، وإلا فما الحامل على التعريض بالأسماع؟
تناقض ما نرى إلا السكوت لهُ ... وأن نعوذَ بمولانا من النارِ
وقد أراح نفسه من ذلك عبد المحسن الصوري حيث يقول:
تعشقته سكران من خمرة الصبا ... على غرّةٍ من لوعتي ونحيبي
وشاركني في حبه كلّ ما جد ... يقاسمني في مُهجتي بنصيبِ
فلا تلزموني غيرةً ما ألفتها ... فإن حبيبي من أحبَّ حبيبي
ومن أبيات الوأواء الدمشقي:
ومحتجبٌ بين الأسنةِ والظبا ... وفي القلبِ من إعراضهِ مثل حجبهِ
أغار إذا آنست في الحي أنّه ... حِذاراً وخوفاً أن تكون لحبّهِ
وفي المعنى للبهاء زهير:
أغارُ على حرفٍ يكون من اسمها ... إذا ما رأته العينُ في خط كاتبِ
ومالي منها نائل غيرَ أنني ... أعلّلُ نفسي بالأماني الكواذبِ
حكى الصفدي في تذكرته عن الشيخ تاج الدين الفزاري أنه كان يقول: إن الحكماء وأهل التجارب يزعمون أن من أقام ببغداد سنة وجد في عمله زيادة، ومن أقام بالموصل سنة وجد في عقله زيادة، ومن أقام بحلب سنة وجد في نفسه