[آراء العلماء حول الآيات والأحاديث التي تشير إلى استخلاف الصديق]
انقسم العلماء في رأيهم حول هذه الآيات وحول هذه الأحاديث إلى فريقين: وفي الحقيقة الفريقان ليس بينهما خلاف كبير، فالكل يتفق على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرغب في خلافة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ولكن الخلاف بينهما في: هل كان ذلك بالنص الجلي الصريح أم بالنص الخفي والإشارة؟ فبعض العلماء مثل ابن حزم الظاهري رحمه الله قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر بالنص الصريح الجلي، واستشهدوا بأحاديث مثل حديث المرأة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن لم تجديني فأتي أبا بكر)، وبقوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة:(ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً؛ فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)، وبحديث الرؤيا التي على القليب، ورؤيا الأنبياء حق، وغير ذلك من الأحاديث.
أما الطائفة الأخرى من العلماء فقالت: إن استخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر الصديق كان بالإشارة والنص الخفي، وليس تصريحاً، وينسب هذا القول إلى الحسن البصري وأحمد بن حنبل وابن تيمية وطائفة كبيرة من أهل الحديث.
وهذا هو الرأي الغالب؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من الممكن أن يصرح فيقول: إذا مت فليكن أبو بكر من بعدي، هكذا بوضوح، فالأمر ليس أمراً ثانوياً في حياة المسلمين حتى يتعمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بهذا الأسلوب غير المباشر.
إذاً: كانت هناك حكمة نبوية من أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصرح بالاستخلاف، وترك الأمر بمجرد الإشارة، وكان هناك رضا من الله عز وجل على هذا التلميح دون التصريح؛ لأن كل أمور الرسول صلى الله عليه وسلم كانت عن طريق الوحي، فكيف بهذا الأمر الخطير؟ يؤكد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخلف تصريحاً ما جاء في كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عند وفاته، روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال عمر: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني، -يعني: أبا بكر - وإلا أستخلف فلم يستخلف من هو خير مني، يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام في رأي سيدنا عمر لم يستخلف.
ويؤكد على هذا أيضاً ما رواه البخاري ومسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها سئلت: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفاً لو استخلف؟ وهذا واضح في أنه لم يستخلف، فقالت: أبو بكر إلى آخر الحديث.