[اتصاف أبي بكر الصديق بالحسم والسبق وعدم التسهيل]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم اغفر لنا خطيئتنا وجهلنا، وإسرافنا في أمرنا، وما أنت أعلم به منا، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
اللهم إنا ظلمنا أنفسنا ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا مغفرة من عندك، وارحمنا؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس الصديق رضي الله عنه وأرضاه: ما زلنا نستمتع بطرف من حياة الصديق رضي الله عنه، فوالله! إننا فعلاً نستمتع، وما زلنا نستمتع بحياة الصديق رضي الله عنه، ودراسة حياة الصديق تريح النفس، فعندما تحس بشيء من الظلم، أو شيء من التعب، أو شيء من اليأس أو شيء من الإحباط اذهب بسرعة واقرأ سيرة الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فهو رجل من البشر وليس بنبي، ومع هذا يفعل كل هذا الخير، إذاً: هناك أمل كثير، فعندما نسمع عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول: قال الرسول وعمل كذا، لا نقدر أن نصل لفعله، ولكن هذا رجل ليس برسول، ويعمل بعمل الأنبياء رضي الله عنه وأرضاه.
فيبدو أن طاقة البشر أوسع مما نتخيل، ويبدو أن وسع النفس أرحب بكثير من اعتقادنا، ويبدو أيضاً أن الآية الكريمة: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] ليست آية تخفيفية كما يظن بعضنا، ولكنها آية تكليفية، فالله سبحانه وتعالى لا يكلف إلا الوسع فقط، ولكن هذا يعني أيضاً من زاوية أخرى أن الله عز وجل يكلف الوسع، والوسع كبير جداً، لكننا أحياناً لا نقدره؛ تخاذلاً منا وإنقاصاً لقدرات البشر.
والدليل على ذلك: أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
والدليل على ذلك أيضاً: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين والصالحين في كل زمان، وفي كل مكان.
هؤلاء بشر، تلقوا منهجاً وساروا عليه، فسعدوا وأسعدوا غيرهم، هؤلاء بشر سمعوا كلاماً مثل الذي سمعناه تماماً، لكنهم أخذوه مأخذ الجد، فظهرت طاقات عجيبة أخفاها الله عز وجل في قلوب الناس، هذه الطاقات العجيبة في قلبي وقلبك، وفي قلوب كل الناس، لكن لا تخرج هذه الطاقات إلا بشروط، رأيناها مع الصديق رضي الله عنه وأرضاه، إيمان بالله وبرسوله، وحب لله ولرسوله، وعمل بما قال الله ورسوله، إيمان وحب وعمل.
فاكتشف نفسك يا أخي! وفتش في قلبك عن طاقاتك، وفتش في قلبك عن طاقات الصديق، وفتش في قلبك عن طاقات عمر، فتش وستلاقي قوة لم ترها من قبل، فالله سبحانه وتعالى الحكيم خلق وصور ثم كلف وأمر.
والله سبحانه وتعالى كلف الخلق أجمعين بتكاليف ثوابت، ومن رحمته وعدله: أن وضع في خلقه ما يعينهم على أداء هذه التكاليف، وقد أمرنا جميعاً بما أمر به الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
والصديق لم يؤمر بعبادة خاصة، أو بتكاليف خاصة، أو بتشريعات خاصة، بل نفس المنهج، ونفس القانون، ونفس التشريع، ونفس الفجر الذي كان يصليه، ونفس الجماعة ونفس الزكاة والصدقة، ونفس الأخلاق الحسنة ونفس صلة الرحم وطاعة الوالدين، ونفس الابتسامة ونفس التواضع، ونفس الحمية للدين، ونفس التشريع بكامله التشريع أمر به الصديق، وأمرنا به نحن، والصديق قد وفى، فأين نحن منه ومن أمثاله؟ فيا ترى هل وفينا وأدينا المنهج؟ ويا ترى كم عملنا من الذي علينا؟ كم في المائة من التكاليف الذي علينا عملناها؟ وكم في المائة من الوقت يصرف في أمور لم نؤمر بها، وكم في المائة من الوقت يصرف في أشياء نهينا عنها؟ وفي النهاية نحن بشر والصديق بشر، والاقتداء به ممكن، والسير على طريقه مستطاع.
وقد تحدثنا في المحاضرتين السابقتين عن صفتين رئيسيتين من صفاته رضي الله عنه: حب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورقة القلب.
وفي هذا الدرس نتحدث عن سمة ثالثة مميزة جداً للصديق رضي الله عنه، وإن كان جل الصحابة تقريباً يقتربون من الصديق رضي الله عنه وأرضاه في الصفتين السابقتين، أما هذه الصفة فقد تفرد بها الصديق، وتفوق بها على سائر الصحابة أجمعين.
هذه الصفة من أهم ما نحتاج في حياتنا اليوم، وما أجمل أن يوجد جيل يتصف بهذه الصفة، ولو وجد لاشك أن النصر سيكون حليفه، وسيكون قريباً جداً إن شاء الله.
هذه الصفة الثالثة هي صفة الحسم والسبق وعدم التسهيل، الحسم في القرارات، والسبق إلى كل خير، وعدم التسهيل في أي قضية مهما صغرت في عين الإنسان، وهذه الصفة سمة واضحة جداً في حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه.
الشيطان كثيراً ما يمنع الإنسان من عمل الخير