النقطة الأولى: دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين بصفة عامة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين- تعتبر من أهم الأمور التي يحرص عليها المسلمون، ويجب أن نحرص على دراستها دراسة وافية مستفيضة شاملة؛ لأنها فترة من أهم فترات التاريخ الإسلامي، بل هي أهمها على الإطلاق بعد فترة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذه الفترة تعتبر جزءاً من التشريع الخاص بالمسلمين، فإن قيل: وهل هناك تشريع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: إن كثيراً من الأمور استجدت في حياة المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت هناك أمور تحتاج إلى فقه واجتهاد فاجتهد فيها هؤلاء الأخيار، واختاروا آراءً سديدة ساروا عليها وسارت معهم الأمة فكانت تشريعاً للمسلمين، فحدثت أمور ما كان لها شبيه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحدث الذي نحن بصدده، وهو اختيار خليفة للمسلمين.
ومنها: فتوحات عظام في أراض شاسعة، وما تبع ذلك من أمور، ومنها أمور فقهية، ومنها شبهات أثيرت فدافعوا عنها.
إنها فترة جليلة حكم فيها خير المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المحكومون هم خير أهل الأرض بعد الأنبياء.
وهنا نستطيع أن نفهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي رحمه الله وقال عنه: حديث حسن صحيح، ورواه أيضاً أبو داود رحمه الله عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال:(وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) وصدقت يا رسول الله! فنحن الآن نعيش في هذا الزمن الذي فيه اختلاف كثير، حيث تشعبت بنا الطرق، وكثرت عندنا المناهج، وتعددت أمامنا الأساليب، فماذا نفعل؟ وفي أي الطرق نسير؟ وأي مناهج نتبع؟ وأي الأساليب نختار؟ استمع إلى نصيحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:(إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ -أي: الأضراس؛ لأنها تمسك بشدة- وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة).
فعند تشعب الطرق عليك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بالطبع أمر مفهوم، لكن لماذا يضيف صلى الله عليه وسلم:(وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)، ولو كان الخلفاء الراشدون سيعيشون حياة ليس فيها اختلاف عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه من الطبيعي والمنطقي أن يقلدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شيء، ولا يبقى مجال لاجتهادهم، ومن ثم لا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)، لكن الواقع أن الأمور التي جدت على الأمة في عهدهم وضحت أشياء كثيرة كانت تحتاج إلى عقول ذكية وقلوب طاهرة كعقول وقلوب الخلفاء الراشدين، فأصبح ما يفعلون ليس مقبولاً فقط، بل وشرع للأمة إلى يوم الدين.
خلاصة هذه النقطة: أن دراسة تاريخ الخلفاء الراشدين المهديين جزء من الدين والشرع، ولابد أن يعطي له المسلمون اهتماماً خاصاً، وقصة الاستخلاف هي أول الأحداث في عهد الخلفاء الراشدين، ولذلك سنتحدث عنها، ثم -إن شاء الله- يليها بعد ذلك أحاديث كثيرة عن تاريخ الخلفاء الراشدين المهديين بتفصيل كبير.