أين حظ النفس عند الصديق في صورته أمام الناس؟ قد تشوه صورته أمام الناس فلا يعتبر إلا بمصالح الآخرين وإن كان على حساب صورته، وتعالوا بنا نرى الموقف اللطيف هذا: روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن عمر حين تأيمت حفصة بنت عمر تأيمت من خنيس بن حذافة -يعني: مات عنها زوجها خنيس بن حذافة رضي الله عنه وكان من أهل بدر- قال عمر: لقيت عثمان بن عفان رضي الله عنه فعرضت عليه حفصة فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فقال عثمان: سأنظر في أمري، قال عمر: فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا، يعني: رفض الزواج.
قال: فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فلم يرجع إلي شيئاً، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، يعني: غضبت منه أكثر مما غضبت من عثمان رضي الله عنه، قال: فلبثت ليالي، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ فقلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها النبي صلى الله عليه وسلم لقبلتها)، الصديق لا يرى صورته، كان من الممكن أن يبشر عمر رضي الله عنه وأرضاه أو أن يقول له: لو لم يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأتزوجها، لكنه لا يريد أن يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا مانع إن كان ذلك على حساب صورته أمام عمر.
وروى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:(كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامر -أي: خاصم- فسلم أبو بكر الصديق وقال: يا رسول الله! إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فغضبت ثم ندمت وسألته أن يغفر لي فأبى علي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: يغفر الله لك يا أبا بكر! قالها ثلاث مرات، ثم إن عمر ندم أنه لم يسامح أبا بكر الصديق، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبو بكر؟ -يعني: أبو بكر هنا؟ - قالوا: لا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فجعل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم يتمعر -أي يغضب غضباً شديداً- حتى أشفق أبو بكر على عمر أن يناله ما يكره من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجثا الصديق على ركبتيه فقال: يا رسول الله! والله! أنا كنت أظلم -ليس مهم صورته أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، المهم ألا يؤذى عمر - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟)، قالها مرتين صلى الله عليه وسلم، يقول أبو الدرداء: فما أوذي بعدها رضي الله عنه وأرضاه.