[بعض فضائل سعد بن عبادة رضي الله عنه]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم أما بعد: فمع الدرس السابع من دروس الصديق رضي الله عنه وأرضاه، في الحلقة السابقة تحدثنا عن المصيبة الكبرى والبلية العظمى التي عصفت بالمدينة المنورة، وكادت أن تطيش بعقول الصحابة لولا أن الله عز وجل من على المسلمين بـ الصديق رضي الله عنه وأرضاه، تلك المصيبة هي وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفصلنا في الفتن المتعددة التي مرت بالمسلمين بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكانت هلكة المدينة محققة إذا لم ينتخب خليفة لها في أسرع وقت.
وذكرنا إسراع الأنصار رضي الله عنهم أجمعين بالذهاب إلى سقيفة بني ساعدة لاختيار الخليفة اعتقاداً منهم أن هذا حق لهم لا ينازعهم فيه أحد، وذكرنا مبرراتهم في ذلك، ثم ختمنا الحلقة السابقة بوصول نبأ اجتماع الأنصار في السقيفة إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم وأرضاهم فذهب ثلاثتهم إلى السقيفة.
في هذه الأثناء وقبل وصول المهاجرين إلى السقيفة كان الأنصار قد خطوا خطوات هامة في عملية اختيار الخليفة، فاجتمع الأنصار أوسهم وخزرجهم على اختيار الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه زعيماً للمسلمين وخليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسعد بن عبادة هو زعيم الخزرج، ومع ذلك أيده كل الأوس، وهذه لا شك فضيلة إيمانية عالية.
فمنذ سنوات قليلة وقبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كانت الحروب على أشدها بين الأوس والخزرج وآخرها يوم بعاث، والذي حدثت فيه مقتلة عظيمة جداً بين الطرفين: الأوس والخزرج، لكن الآن تغيرت النفوس وتركت حظوظها، وما عادت تفكر إلا في مصلحة هذا الدين، ولم يجد الأوس حرجاً في أن يقدموا زعيم الخزرج للخلافة، وأن يقفوا جميعاً وراءه، ولم يطرحوا اسماً أوسياً بديلاً، بل قبلوا به دونما أدنى جدل.
إذاً: الرجل المرشح الأول للخلافة في نظر الأنصار هو سعد بن عبادة، وسعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه أهل لكل خير، ولو كان الخليفة من الأنصار فسيكون اختيار سعد بن عبادة اختياراً موفقاً لا ريب فيه.
وتعالوا نتعرف على المرشح الأول للخلافة من قبل الأنصار سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه.
للأسف كثير منا لا يعرف سعد بن عبادة أو يعرفه بصورة مشوهة، فمن هو سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه؟ إنه الصحابي الجليل رضي الله عنه وأرضاه سيد الخزرج، وأحد النقباء يوم العقبة الثانية، ففي يوم العقبة الثانية وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنصار اثني عشر نقيباً كان منهم سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه، وكان شريفاً في قومه، وكان يجير للمطعم بن عدي قوافله المارة بالمدينة، وذلك قبل الإسلام، فهو عريق في الشرف رضي الله عنه وأضاه.
وكان ممن شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله مواقف مشهورة في الغزوات ولا سيما في الخندق حيث رفض إعطاء غطفان ثمار المدينة، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأيه في ذلك.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجله ويقدره ويكثر من زيارته؛ وذلك لمكانته بين الأنصار رضي الله عنهم.
يروي قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زارهم في بيتهم فقال: السلام عليكم ورحمة الله، قال قيس: فرد أبي رداً خفياً) يعني: أن سعد بن عبادة رد السلام لكن بصوت منخفض فقال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، بصوت لا يسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال قيس: فقلت لأبي: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: اتركه حتى يكثر علينا من السلام.
فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (السلام عليكم ورحمة الله) وسيدنا سعد بن عبادة يريد أن يسمع (السلام عليكم) كثيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (اتركه حتى يكثر علينا من السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم ورحمة الله، فظن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا أحد بالبيت فرجع، فتبعه سعد بن عبادة رضي الله عنه وأرضاه فقال: يا رسول الله! إني كنت أسمع تسليمك وأرد عليك رداً خفياً؛ لتكثر علينا م