للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:

[كلام علي بن أبي طالب في أبي بكر الصديق رضي الله عنهما]

وأختم كلامنا بكلام قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم مات الصديق رضي الله عنه، يوم ارتجت المدينة لفراقه، ويوم أن أقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى بيت الصديق مسرعاً باكياً مسترجعاً، ووقف والناس حوله يقول: رحمك الله يا أبا بكر! كنت إلف رسول الله، وأنيسه ومستراحه، وثقته وموضع سره ومشاورته، وكنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم يقيناً، وأشدهم لله يقيناً، وأخوفهم لله، وأعظمهم غناءً في دين الله، وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحدبهم على الإسلام، وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقب، وأفضلهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هدياً وسمتاً، وأشرفهم منزلة، وأرفعهم عنده، وأكرمهم عليه فجزاك الله عن الإسلام أفضل الجزاء، صدّقت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذّبه الناس، وكنت عنده بمنزلة السمع والبصر، سمّاك الله في تنزيله صدّيقاً، فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:٣٣]، وآسيته حين بخلوا، وقمت معه على المكاره حين عنه قعدوا، وصحبته في الشدة أكرم الصحبة، ثاني اثنين، صاحبه في الغار، والمنزّل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، وخليفته في دين الله وأمته، أحسنت الخلافة حين ارتدوا، فقمت بالأمر ما لم يقم به خليفة نبي، ونهضت حين وهن أصحابه، وبرزت حين استكانوا، وقويت حين ضعفوا، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ وهنوا، وكنت -كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- ضعيفاً في بدنك، قوياً في أمر الله تعالى، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله تعالى، جليلاً في أعين الناس، كبيراً في أنفسهم، لم يكن لأحدهم فيك مغمز ولا لقائل فيك مهمز، ولا لمخلوق عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ بحقه، الغريب والبعيد عندك في ذاك سواء، وأقرب الناس عندك أطوعهم لله عز وجل وأتقاهم، شأنك الحق والصدق والرفق، قولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم، اعتدل بك الدين، وقوي بك الإيمان، وظهر أمر الله فسبقت والله! سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالخير فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله عز وجل قضاءه وسلمنا له أمره، والله! لن يُصاب المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وحرزاً وكهفاً، فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا حرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

<<  <  ج: ص: