[حرص الصديق على مصلحة المسلمين وتقديمها على مصلحته]
موقف آخر جميل من مواقف الصديق في إنكار الذات: روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه)، السيدة عائشة فقدت عقداً لها، فأوقف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الجيش بكامله ليبحث عن العقد، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يهتم بمشاعر السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها.
والمشكلة الأكبر كما تقول السيدة عائشة: إنهم ليسوا على ماء، وليس معهم ماء، يعني: ليس هناك آبار ماء موجودة في المنطقة ولا يوجد معهم ماء، ومع ذلك في هذه الظروف الرسول صلى الله عليه وسلم يوقف الجيش للبحث عن العقد، وزادت المشكلة أن نام بعض الرجال، فاستيقظوا جنباً، والماء لا يكفي للغسل، إنه موقف عظيم جداً! ولم تكن آية التيمم قد نزلت بعد، كل هذا المفروض أنه يعظم من شأن السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، ومن شأن أبيها الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فقد أولى النبي صلى الله عليه وسلم اهتماماً عظيماً بالسيدة عائشة ولا شك أن هذه فضيلة، لكن الصديق رضي الله عنه لم يكن ينظر إلى هذا، كان ينظر إلى المشقة التي وقعت على المسلمين، ونسي فخر نفسه، وتذكر ألم المسلمين.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها:(فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال أبو بكر: حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني)، وطبعاً واضح أنه لم يكن عتاباً عادياً، قالت:(فعاتبني ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم)، سبحان الله! فأنزل الله في هذا الوقت آية التيمم:{فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}[النساء:٤٣]، في سورة النساء.
فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه وأرضاه: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فلهم بركات كثيرة إسلام ودعوة وإعتاق للعبيد وإنفاق وهجرة وجهاد وأيضاً آية التيمم، إنها فعلاً عائلة مباركة.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها:(فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته).