فهل كان هذا الحب من طرف واحد؟ كلا والله! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه:(الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) فلأن أبا بكر الصديق أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحب الذي فاق كل حب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفع مكانته في قلبه فوق مكانة غيره من الصحابة ومن الناس أجمعين.
روى الشيخان عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:(بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم على جيش ذات السلاسل)، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على رئاسة هذا البعث أو هذا الجيش، فـ عمرو بن العاص يظن أنه ما دام قد أُمِّر على هذا الجيش فهو أحب الخلق إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟!) وهو يظن أنه سوف يقول له: أنت، قال:(أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة) فجاءت صدمة في قلب عمرو بن العاص، قال:(قلت: من الرجال؟ قال: أبوها) أي: الصديق رضي الله عنه وأرضاه، قال:(قلت: ثم من؟ قال: عمر، فعد رجالاً) فاستمر يقول له: ثم من؟ ثم من؟ في رواية الترمذي يقول عمرو بن العاص:(فسكت مخافة أن يجعلني آخرهم).
وهنا
السؤال
هل كان يرغم أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه نفسه على هذا الحب؟ وهل كان يشعر بألم في صدره عندما يقدم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب ماله أو ولده أو عشيرته أو تجارته أو بلده؟ ممكن أن يظن بعض الناس أن الصديق رضي الله عنه وأرضاه متعب بسبب هذا الحب الذي تتبعه تكاليف وتبعات، لكن أبداً والله! فقد انتقل الصديق من مرحلة مجاهدة النفس لفعل الخيرات إلى مرحلة التمتع والتلذذ بفعل الخيرات، انتقل إلى مرحلة حلاوة الإيمان التي ذاقها رضي الله عنه وأرضاه في قلبه وعقله وكل كيانه.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي وراه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال:(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) وهذه هي حالة الصديق رضي الله عنه وأرضاه قال: (وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
كل الناس يقولون: نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أهلنا ومالنا وأنفسنا، وطبعاً الكلام سهل جداً، لكن أين الدليل؟ ما هو الدليل أنك فعلاً تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسك ومالك وأهلك؟