رأينا اهتمام الصحابة بأمر الخلافة بصورة لا يتخيلها العقل، فمصيبة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم هي أعظم مصيبة مرت بهم وبأمة الإسلام، ومع ذلك فإن هذه المصيبة على فداحتها لم تثنهم عن اختيار الخليفة في نفس اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سئل سعيد بن زيد رضي الله عنه: متى بويع أبو بكر؟ قال: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة.
فانظر إلى فهم سيدنا سعيد بن زيد رضي الله عنه وقوله: كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة.
فالفرقة من أشد عوامل انهيار الأمم، وإنها طامة كبرى أن تتفرق الأمة الإسلامية إلى أكثر من ستين جزءاً، فمنذ أن أسقط الغرب واليهود الخلافة العثمانية وهم يزرعون في أعماقنا عن طريق التعليم والإعلام أن التجمع الأمثل للناس لا يكون إلا على أساس القوميات: عربي وكردي وبربري وباكستاني وغيره، ثم العرب: مصري وسوري وسعودي وأردني وفلسطيني وهكذا، والأصل الذي نسيه المسلمون أن التجمع في الإسلام لا يكون إلا على الإسلام.
وقد رأينا في هذه المجموعة كيف تجمع المسلمون من قبائل شتى ومناطق مختلفة على رباط واحد فقط، وهو رباط العقيدة والإسلام، مع أنهم كانوا قريبي عهد بجاهلية، وقريبي عهد بقبلية، لكن لا تصلح هذه الأمة بغير هذا، ونحن مع أننا مكثنا قروناً نتجمع على الإسلام إذا بنا نُصاب بغزو فكري في سنوات معدودات فيُهدم في داخلنا صرح بناه الأقدمون بجهد وعرق ودماء.
روى الإمام مسلم والنسائي وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه -واللفظ هنا لـ مسلم - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية).
قال النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: إنه مات على صفة أهل الجاهلية من حيث هم فوضى لا إمام لهم، فأهل الجاهلية هكذا فوضى لا إمام لهم.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ومن قاتل تحت راية عمّية)(أو عُمّية) والروايتان صحيحتان، قال أحمد بن حنبل رحمه الله يفسّر كلمة عمّية أو عُمّية: هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، أي: الرجل الذي لا يدري لأي سبب يقاتل ولأي هدف يقاتل، ثم يكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول:(ومن قاتل تحت راية عمّية يغضب لعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية) أي: أن القتال للقومية والعصبية والعائلة والقبيلة وليس للإسلام ما الذي سوف يحدث لمن يقاتل من أجل هذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(فقُتل فقتلة جاهلية) نسأل الله العافية، ونسأل الله عز وجل أن يجمع المسلمين تحت راية واحدة راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.