ثم تعالوا نفكر مع الصديق، فأي دين سأترك كي أنتقل لهذا الدين الجديد؟ هل سأترك دين قريش؟ وما هو دين قريش؟ وأي شيء يعظمون؟ ولأي إله يسجدون؟ أيترك الصديق دين الإسلام ليعظم اللات أو العزى، أو مناة أو هبلاً؟ مستحيل، فـ الصديق كان دائم الازدراء لهذه الأحجار، وكما يحكي هو فيقول: لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام فقال لي: هذه آلهتك الشم العوالي، وخلاني وذهب.
يقول الصديق: فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني، فلم يجبني، وطبعاً الصديق يسأله في سخرية منه، فإنه لا ينتظر من هؤلاء إجابة، وكان الناس يعلمون ذلك.
يقول الصديق: فقلت له: إني جائع فأطعمني، فلم يجبني، فقلت: إن عار فاكسني، فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخر لوجهه، فمنذ أن بلغ الحلم كان هذا الاعتقاد في داخله أن هذه الأصنام لا تنفع ولا تضر، فكان الصديق رضي الله عنه وأرضاه يعلم علم اليقين أن هذه الأوثان ليست آلهة، والصديق رضي الله عنه وأرضاه كان ذكياً حاد الذكاء، ولم يكن يغيب عن ذهنه سفاهة هذه الأصنام، إذ كيف يعقل لصنم أن يخلق وأن يصور، وأن يهدي وأن يرحم، وأن يرزق وأن ينصر؟ كيف يعقل ذلك؟ وكيف يعقل أن بقرة تشرع؟ أو أن شجرة تحكم وتدبر؟ لم تكن هذه الأمور بالتي تغيب عن ذهن العبقري الفذ الصديق رضي الله عنه، فعلم ببساطة أن دين قريش دين منكر، وأن دين الإسلام هو دين الحق.
وعلم ببساطة أن لهذا الكون خالقًا، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول.
لما وضحت هذه الرؤية في عين الصديق رضي الله عنه ورأى حقيقة الإسلام وباطل الجاهلية وعلم الفرق بينهما قرر منذ اللحظة الأولى أن يغير الباطل إلى الحق، وأن يزيل المنكر ويقر المعروف، قرر أن يفعل ذلك مهما كانت التضحيات، فقرر أن يدخل في الإسلام حتى لو حاربته مكة والعرب، بل والعالم أجمع، قرر هذا كله لأنه كان رجلاً إيجابياً، والرجل الإيجابي قلبه يأكله لما يرى منكراً ولا يهدأ له بال، ولا يستريح له قلب، ولا تسكن له جارحة إلا عند تغيير المنكر إلى معروف، وهذه والله! من أعظم صفات الصديق رضي الله عنه وأرضاه.