[العلم]
هذا بالنسبة لشرط الشجاعة، وأما بالنسبة لشرط العلم فكيف كان حال الصديق؟ الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان أعلم الصحابة.
روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: إن الله تبارك وتعالى خير عبداً) والرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذا العبد في الحديث، وقال: (خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله تعالى، فبكى أبو بكر وقال: نفديك بآبائنا وأمهاتنا، يقول أبو سعيد الخدري: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير) يعني: لماذا أبو بكر يبكي؟ فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إن عبداً خير)، فلماذا يبكي، يقول أبو سعيد: (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا) فكان أبو بكر هو الوحيد الذي فهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد نفسه في هذا الحديث.
وكان الصديق لعلمه الغزير يفتي في وجود الرسول صلى الله عليه وسلم، يعني: يكون الرسول صلى الله عليه وسلم موجوداً ويفتي الصديق في حضرته، وكانت هذه الخاصية له أساساً وأحياناً لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وليس لغيرهما، سئل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: من كان يفتي الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وما أعلم غيرهما.
وتعالوا بنا نرى القصة التي حدثت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، روى البخاري رحمه الله عن أبي قتادة رضي الله عنه وأرضاه قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله، يعني: يريد أن يأخذه على غرة، حتى يقتله غدراً، قال: فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها، ثم يكمل أبو قتادة الموقف فيقول: ثم أخذني -أي: هذا الرجل المشرك الذي قطعت يده- فضمني ضماً شديداً حتى تخوفت، ويبدو أنه كان رجلاً شديداً وقوياً، قال: فضمني ضماً شديداً حتى تخوفت، يعني: خفت على نفسي أن أموت، قال: ثم ترك ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم.
وطبعاً هذا كان في أول يوم حنين، قال: فإذا بـ عمر بن الخطاب في الناس رضي الله عنه فقلت له: ما شأن الناس؟ ما الذي حدث؟ لماذا يهربون؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انتصروا، يعني: انتصر المسلمون وهزم المشركون، قال: وبعد الموقعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه) يعني: من يأتي بشاهد على أنه قتل قتيلاً يأخذ هذا السلب الذي للقتيل، قال: فقمت لألتمس بينة قتيلي فلم أر أحداً يشهد لي، فجلست، يعني: لم أتكلم، قال: ثم بدا لي، يعني: قلت: وما المانع أن أتكلم، قال: فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من جلسائه: صدق، يعني: أنا شاهد على هذا الأمر، وسلبه عندي، فأرضه مني، يعني: هناك رجل آخر من المسلمين اعترف أن السلب معه، لكنه يريد أن يأخذه أو يرضيه أبو قتادة بشيء، يعني: السلب هذا عندما أعيده لك تدفع لي أي شيء.
وهنا قام الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وطبعاً لم يطلب أحد منه الكلام، لكنه قام, وكل هذا الكلام أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، فهنا قام الصديق رضي الله عنه وأرضاه وقال في حمية: كلا لا يعطيه أضيبع من قريش -يعني: طائراً ضعيفاً- ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: يستنكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه أن يأخذ الرجل من السلب شيئاً وإن كان معه ولكن يعطى لـ أبي قتادة كاملاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق فأعطه).
فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتوى الصديق رضي الله عنه وأرضاه وهو في حضرته.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: إن أهل السنة اتفقوا على أن أبا بكر أعلم الأمة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد.
فلماذا هذا العلم الغزير عند الصديق رضي الله عنه وأرضاه؟ لعل سبب هذا العلم الغزير وتفوقه على الصحابة هو ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من غيره، فقد كان يجتمع به ليلاً ونهاراً وسفراً وحضراً وما أكثر الأحاديث التي ذكر فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج هو وأبو بكر، أو دخل هو وأبو بكر، أو جلس هو وأبو بكر هكذا.
وأيضاً هناك أدلة أخرى كثيرة ع