[أهمية سرعة اختيار خليفة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم]
في هذا الموقف المعقد والمتشابك والمدينة المنورة كالسفينة الصغيرة في بحر لجي هائج تتلاطمها الأمواج العاتية وقد مات قبطانها، في هذا الموقف الرهيب الفريد أين النجاة؟ أين النجاة؟ بتحليل الموقف نجد أنه لا نجاة إلا باختيار سريع وسريع جداً لخليفة يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حكم الدولة الإسلامية، وفقدان الخلافة أو ضياع الخلافة كارثة مهولة، فالخلافة والخليفة كالخيط ينتظم حبات العقد في عقد واحد جميل، وبغير هذا الخيط ستضيع الحبات لا محالة، ولا يشفع للحبات هنا كونها جميلة أو براقة، كذلك أمة الإسلام إذا غاب منصب الخلافة فلن يجتمع المسلمون وإن كانوا صالحين، بل سيكونون فرقة هنا وفرقة هناك، وقبيلة هنا وقبيلة هناك، ودولة هنا ودولة هناك، وستظل الفرقة في غياب الخلافة، وهذه هي مصيبتنا العظمى في زماننا الآن، فقد غابت الخلافة وآخرها كانت الخلافة العثمانية، فتفرق المسلمون، حتى وإن كانت الخلافة ضعيفة فهي واجبة؛ فالاجتماع على ضعف خير من التفرق على قوة، وهذا أمر عام في كل حياة المسلمين، فإنهم إذا اجتمعوا على رجل كانت البركة والقوة، وإذا تفرقوا كان الفشل والضعف.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلفت النظر إلى ذلك حتى في أدق الأمور، روى أبو داود بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم).
والصحابة الكرام أفضل أهل الأرض بعد الأنبياء وخير القرون في هذه الأمة يفقهون هذه الحقائق بوضوح، ويعلمون مدى الخطورة المنتظرة لأي تأخير في اختيار هذا الخليفة مهما كان اسمه.
لذلك قام الصحابة الكرام بمشروع أحسبه من أرقى وأجل المشاريع الحضارية في التاريخ، إنه مشروع اختيار الخليفة والقائد والربان للسفينة في اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل الأحزان والهموم والآلام، إذ لابد أن تسير الحياة ولا تتوقف لموت بشر أو زعيم وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنه فقه واسع وعلم غزير، فماذا حدث في هذا اليوم (١٢) من ربيع الأول من (١١هـ)؟