للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[رسالة الصديق إلى عمرو بن العاص]

وهنا أمر آخر في حياة الصديق، خطاب لطيف أرسله إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه: والقصة تبدأ من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى عمرو بن العاص رضي الله عنه مرة على عمان ووعده أخرى بالولاية عليها وهكذا، فلما استتب الأمر لـ أبي بكر الصديق بعد حروب الردة ولى على عمان مرة أخرى عمرو بن العاص؛ تنفيذاً لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه يجوز للوالي الجديد أن يراها أو يرى غيرها حسب ما يرى من المصلحة، وهذا ليس أمراً شرعياً حتمياً، لكنه لا يريد أن يخالف ولو بقدر أنملة.

وهذا هو عين المراد، هذا الذي وصل بـ الصديق إلى ما وصل، هذا الذي رفع قدره، هذا الذي سلم خطواته، هذا الذي سدد آراءه.

ثم إنه قد احتاجه لإمارة جيش من جيوش الشام، وعمرو بن العاص رضي الله عنه كان عنده طاقة حربية هامة جداً، وعبقرية فذة في مجال الحروب، وأبو بكر الصديق يريد أن يأتي به إلى المدينة المنورة حتى يؤمره على جيش من جيوش الشام، لكنه يتحرج من استقدامه من مكان وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل له رسالة لطيفة قال: إني كنت قد رددتك إلى العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكه مرة وسماه لك أخرى مبعثك إلى عمان إنجازاً لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وليته ثم وليته.

يعني: مرة في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ومرة بعد حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أحببت أبا عبد الله! -يتلطف معه في الحديث- أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه.

أي: ما هو خير من هذه الإمارة، وهو الجهاد في سبيل الله عز وجل، قال: إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.

يعني: أيضاً ما زال يخيره، مع أن سيدنا أبا بكر هو الخليفة ويستطيع أن يأمر عمرو بن العاص فيأتي دون تردد.

وانظر إلى الرسالة اللطيفة التي رد بها عمرو بن العاص على أبي بكر الصديق، قال رضي الله عنه وأرضاه: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ما أنا إلا سهم في كنانتك فارم به حيثما شئت.

وفي هذا اتباع أيضاً من عمرو بن العاص كبير لأوامر الخليفة ولنصائح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>