للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هؤلاء السبعين الذين رافقوه لم يعبدوا العجل ولكنهم لم ينهوا الذين عبدوه كما قال ابن عباس وغيره: إنهم أخذتهم الرجفة لأنهم لم ينهوا قومهم عن عبادة العجل بينما الآية في سورة البقرة (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة (٥٥)) والآية التي في سورة النساء (أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم (١٥٣)) تفيدان أن الصعق كان لقوهم: (أرنا الله جهرة) فأي السببين كان الصعق من أجله؟ الجواب: إنه وقع لكلا السببين لأنه لا أعظم من عقوبة الموت في الدنيا ثم بعثهم الله تعالى استجابة لدعاء موسى عليه الصلاة والسلام: (ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) وقال موسى عليه الصلاة والسلام: (إن هي إلا فتنتك) أي ابتلاؤك واختبارك وامتحانك.

فمن هاهنا موسى يتوسل إلى الله من أجل أن يتقبل الله دعاءه باحيائهم (إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) وهذا تمجيد لله وتعظيم له بأنه وحده هو الذي يضل من يشاء إضلاله حسب ما يستحق وهو وحده يهدي من يشاء هدايته حسب ما يستحق ولا يظلم الله أحداً فالتوسل كان بمشيئته تعالى التي هي صفة من الصفات العلى التي يتصف بها الرب جل شأنه وإنها هي الغالبة فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن إن الحكم إلا له وإن الأمر إلا أمره له الخلق والأمر ثم توسل إليه باسمه الذي هو من الأسماء الحسنى فهو سبحانه الولي والنصير (الله ولي الذين آمنوا ... ) فقال: (أنت ولينا) ولا شك أن الله ولي الذين آمنوا ونصيرهم وناصرهم وما من ولي ولا نصير سواه.

أرأيت يا أخي المسلم كيف قدم موسى بين يدي دعائه توسلاً إلى الله بصفاته العلى وأسمائه الحسنى ... ؟ فبعد أن فرغ من توسله وقرب من الله بما قدم من توسلات مقبولة عنده شرع بالدعاء: (فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين).

ولو تأملت يا أخي المسلم ووفقت قليلاً عند هذه الفاء: (فـ) لو ضح لك المعنى من القصد الذي كان يقصده أي بسبب ما قدمت لك يا رب من التوسلات إليك بصفتك العظيمة واسمك الجليل .. (فاغفرلنا ... ) مما أذنب القوم من عبادة

<<  <   >  >>