بخير من ذلكم) أي مما في الدنيا من تلك الملاذ والشهوات التي تقدم ذكرها ... فإن الله تعالى قد أعد (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد).
أي أن الله تعالى قد أعد كل هذا النعيم الذي لا يفنى والملك الذي لا يبلى مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ... كل ذلك للمتقين (الذي يقولون ربنا إننا آمنا) أي آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وما يستلزم هذا الإيمان من الائتمار بالمعروف والانتهاء عن المنكر.
والإيمان في حد ذاته عمل صالح بل هو أساس كل عمل صالح فلا عمل صالحاً بلا إيمان فلما صدر عنك الإيمان يا أخي ... كان ولا شك عملاً صالحاً عظيماً كما أن صدور الكفر من العبد لا شك أنه عمل غير صالح.
فلما تقرب المتقون إلى ربهم بقولهم:(ربنا إننا آمنا) وتوسلوا إلى الله تعالى بإيمانهم ... أصبحوا قريبين منه بما تقدم من الوسيلة الطيبة التي رفعوها إليه فناسب بعد هذا القرب منه تعالى أن يقدموا الدعاء الذي يرغبون فيه إليه فقالوا:( ... فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) أي بسبب ما آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وجنبنا عذاب النار الذي لا يطاق إنك على كل شيء قدير.
إن هؤلاء الذين صدرت عنهم هذه التوسلات بإيمانهم وأعمالهم الصالحة شهد الله لهم بأنهم هم الصابرون على طاعتهم الصادقون في عقيدتهم وأعمالهم القانتون الخاشعون في عباداتهم المنفقون أموالهم في طاعة الله كما أمر والمشفقون على أنفسهم المستغفرون من ذنوبهم قليلة كانت أو كثيرة المتيقنون بأن الله وحده غافر الذنب وقابل التوب فاستغفروا وتابوا إليه في الأسحار وجوف الليل في أوقات تجلي الله على عباده فيغفر للمستغفرين ويتوب على التائبين.
هكذا ... فإن الله تعالى أعطانا نماذج من أعمالهم وتوسلاتهم الصادقة الطيبة حتى نتأسى بها ونعمل مثلها .. فإنهم آمنوا وصبروا وصدقوا وأنفقوا وقنتوا ثم طلبوا المغفرة.