للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حصلوا من العلوم والمعارف ما لم يحصله غيرهم من المبصرين القارئين الكاتبين؟ ومن البدهي أن الكفيف لا يقرأ ولا يكتب، ولكن يسمع من الغير.

وهاك ما استشهد به على دعواه من أحاديث والجواب عنها: حديث «الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قال في [ص ١٧٣]: روى البزار عن أبي هريرة أن النَّبِي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فقال الحسن: وما ذنبهما؟ فقال: أحدثك عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقول ما ذنبهما؟ وهذا الكلام قد قاله كعب بنصه، فقد روى أبو يعلى الموصلي قال كعب: «يُجَاءُ بِالشَّمْسِ وَالقَمَرِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فَيُقْذَفَانِ فِي جَهَنَّمَ يَرَاهُمَا مَنْ عَبَدَهُمَا» وذكر مرجعه " حياة الحيوان " للدميري.

إن حديث البزار عن أبي هريرة ثابت، فقد ذكره الحافظ في " الفتح " (١)، وابن كثير في " تفسيره " (٢) وسكتا عنه، وناهيك بهما ناقدين بصيرين، وقد أخرج معناه الحافظ وأبو يعلى في " مسنده " من طريق يزيد الرقاش عن أنس وسنده فيه ضعف، وأخرجه الطيالسي مختصرًا، والذي أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " عن أبي هريرة مرفوعا ليس فيه أنهما ثوران عقيران ولا أنهما في النار، ولفظه: «الشَّمْسُ وَالقَمَرُ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ» (٣).

ورواية البخاري صحيحة ولا شك، يؤيدها قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} (٤).

وليس في الحديث بعد ثبوته ما يشكل من جهة متنه

فإن قال قائل: وما ذنبهما حتى يعذبان؟ قلت: قد أجاب عن ذلك الإمام الخطابي فقال: «لَيْسَ المُرَادُ بِكَوْنِهِمَا فِي النَّارِ تَعْذِيبُهُما بِذَلِكَ،


(١) ٦/ ٢٢٩.
(٢) ٩/ ١٢٠
(٣) «كتاب بدء الخلق» باب صفة الشمس والقمر، " الفتح ": ٦/ ٢٢٩.
(٤) [سورة الأنبياء، الآية: ٩٨].